نشرت صحيفة "تلغراف" البريطانية، تقريرا حول "نجاح" العملية العسكرية التي تقودها المملكة
السعودية في
اليمن، بينت فيه مظاهر تطور القدرات العسكرية للمملكة، وتوقعت أن تتوجه الرياض إلى
سوريا عسكريا، بعد انتهائها من مشكلة الحوثيين المدعومين من إيران.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الضربات الناجحة التي وجهها التحالف الذي تقوده العربية السعودية للمتمردين الحوثيين في اليمن، تمثل نقطة تحول مهمة في الاستراتيجية الدفاعية التي تسعى المملكة لتطويرها.
فمنذ أن قرر أوباما الذهاب في طريق التقارب مع إيران؛ فقد قررت المملكة وضع استراتيجية جديدة للدفاع عن مصالحها، تمكنها من استعمال قدراتها العسكرية الذاتية، دون الاعتماد على قدرات حلفائها التقليديين؛ مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، "وعندما حاولت إيران الإطاحة بالحكومة اليمنية المنتخبة في اليمن، الذي يمثل جارا وحليفا استراتيجيا للرياض؛ فقد قررت المملكة حشد قواتها للمواجهة".
واعتبرت الصحيفة أن النتائج الأولية للحملة العسكرية السعودية؛ لا تمثل فقط دليلا على نجاح الاستراتيجية الجديدة، وإنما تمثل أيضا فاتحة لتحركات أخرى ستليها، بهدف فرض الاستقرار خلال السنوات القادمة في الشرق الأوسط الذي تعصف به الصراعات، وخاصة في ما يخص الحرب الأهلية السورية.
وأضافت أن الحرب في اليمن انطلقت شرارتها الأولى في آذار/ مارس الماضي، عندما اضطرت الحكومة الشرعية المنتخبة، بقيادة الرئيس منصور هادي، إلى الهروب أمام تقدم المليشيات الحوثية والجنود الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، ما دفع المملكة إلى إقامة تحالف واسع تحت قيادتها، وإطلاق حملة جوية وبحرية، بالتوازي مع دراسة إمكانية شن هجوم بري، شرط إبقاء الخسائر المدنية عند الحد الأدنى.
وفنّدت "تلغراف" ما ذكرته العديد من المنظمات الحقوقية حول أن التحالف الذي تقوده السعودية يشن ضرباته الجوية بشكل عشوائي ضد المدنيين في اليمن، وأكدت أن القيادة العسكرية السعودية أولت اهتماما كبيرا للجانب الإنساني في حملتها، كما أنها استعملت نفس الأسلحة الدقيقة التي استعملتها بريطانيا عند تدخلها بليبيا في عام 2011.
ولكن بحسب الصحيفة، فإن نفس المشكل الذي واجهته بريطانيا في ليبيا، والولايات المتحدة في العراق وأفغانستان؛ تواجهه السعودية الآن، وهو أن العدو يخبئ معداته العسكرية في المناطق السكنية، ما يجعل التفرقة بين المدنيين والمسلحين أمرا صعبا جدا.
وقالت الصحيفة إنه خلال التحضيرات للحملة البرية التي انطلقت بهمّة عالية في شهر تموز/ يوليو؛ فقد تم إنشاء معسكرات تدريب في المملكة، لتدريب خمسة آلاف متطوع يمني كبداية، وما إن أصبحوا جاهزين لخوض المعارك؛ حتى أطلقت السعودية عملية "السهم الذهبي"، التي تمثل خطة متكاملة جمعت بين القدرات الجوية والبحرية والبرية للدول العربية المشاركة، مع دعم خاص من الفرقة الخاصة رقم 64 في القوة البرية الملكية السعودية.
وأشارت إلى أن الخطة المتكاملة شملت إدخال القوات اليمنية عبر البر والبحر، مدعومة من قبل وحدات خاصة سعودية ومصرية وإماراتية، بهدف السيطرة على مواقع حيوية في عدن بأسرع وقت ممكن، وتطهير المدينة من فلول قوات صالح والحوثيين، وفتح المطار والميناء البحري للشروع في إدخال المساعدات الإنسانية.
وأضافت أن هذه الخطوات مهدت الطريق لبقية المتطوعين للذهاب لتلقي التدريب في القواعد العسكرية السعودية، والعودة بشكل آمن للالتحاق بلجان المقاومة الشعبية وقوات الجيش الموالية للرئيس هادي، التي كانت تسيطر على عدن وتسعى للتقدم نحو تعز، ثالث أكبر مدينة يمنية.
وقالت الصحيفة إن
التحالف العربي واجه في البداية مقاومة عنيفة من قبل قوات الحوثي وصالح، المتحالفة تحت إمرة قائد عسكري بارز في حزب الله اللبناني، وهو خليل حرب، الذي كان مكلفا بالدفاع عن عدن وما جاورها، "ولكن هذه المقاومة تم كسرها بفضل الاستراتيجية السعودية، التي عمدت إلى تقطيع أوصال القوات المعادية وعزلها عن بعضها، ثم شن هجمات واسعة ومتزامنة".
واعتبرت أن الدرس المستفاد من نجاح التحالف العربي؛ يتمثل في كونها المرة الأولى التي تتمكن فيها مجموعة دول عربية من إنشاء تحالف فيما بينها، والقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق تكللت بالنجاح، ما يعني أن هذه الحملة الناجحة ستكون نموذجا لما سيكون عليه الوضع في المستقبل، فمن المتوقع أن الملك سلمان، بعد أن يتأكد من هزيمة الحوثيين المدعومين من إيران، سيحول نظره نحو سوريا.
وحذّرت الصحيفة من أن الوضع في سوريا أكثر تعقيدا من اليمن، بسبب الصلابة التي أظهرها الجيش السوري والمليشيات الإيرانية، أثناء قتالهم ضد مختلف قوات المعارضة، ولكن رغم ذلك؛ فإن المؤشرات الأولية توحي بأن تدخلا عسكريا في سوريا بقيادة المملكة قد يكون ناجحا وفعالا.
وأضافت: "بشار الأسد اعترف بنفسه بأن جيشه أصابه الإنهاك، كما أن الوضع في سوريا يعد أفضل من اليمن، من ناحية وجود فصائل معارضة قوية وجاهزة للتحرك بشكل منسق، على غرار أحرار الشام في الشمال، وجيش الفتح في الجنوب، حيث إن هذه المجموعات اكتسبت صلابة وخبرة ميدانية، وتتمتع بقدر من الدعم الشعبي في سوريا".
وزادت بأن الحضور الجوي لتحالف تقوده السعودية؛ سيعني حظر الطيران على النظام السوري، وبالتالي إيقاف مأساة إلقاء البراميل المتفجرة على المدن، ما يتيح للفصائل المعارضة، باستثناء تنظيم الدولة والقاعدة، التحرك بحيوية وحرية أكثر.
وفي الختام؛ أكدت "تلغراف" أنه في ظل اتساع رقعة الفوضى والعنف في العالم العربي، وجنوح الدول الغربية نحو خيار الجلوس على الربوة والاكتفاء بالمشاهدة؛ فإنه يبدو أن الرياض أمام فرصة للاضطلاع بمسؤولية قيادة تحالف دولي لاستعادة الاستقرار في المنطقة.