نشرت صحيفة لوموند الفرنسية مقالا حمل انتقادات كبيرة للدبلوماسية الفرنسية في عهد الرئيس فرنسوا
هولاند، على خلفية إهمالها قيم
حقوق الإنسان، بعد أن أقامت علاقات متينة مع دول مثل مصر والسعودية والإمارات والصين، دون أن تضغط على هذه الدول لاحترام حقوق الإنسان، وفق الصحيفة.
وحذرت الصحيفة من عواقب هذه الدبلوماسية التي لا يمكن التنبؤ بانعكاساتها الوخيمة على
فرنسا، متهمة فرانسوا هولاند بأنه يتصرف من منطلق تلميع صورته، دون أي اعتبار لحقوق الإنسان.
وانتقد المقال، الذي ترجمته "عربي21"، ظهور هولاند إلى جانب عبد الفتاح
السيسي في افتتاح قناة السويس في مصر، بعد نهاية أشغال حفر التفريعة الجديدة، معتبرا أن صورة هولاند مع السيسي، يوم السادس عشر من شهر آب/ أغسطس، تعيد إلى الأذهان صورة من سبقوه من رؤساء فرنسا مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، فلطالما اعتبر الغرب مبارك ونظامه حليفا استراتيجيا ضد تنامي شعبية الإسلاميين، والضامن الوحيد لمصالح الدول الغربية.
وتقول الصحيفة إن نظام مبارك لقي دعما كبيرا، ليس من باريس وحدها، بل من لندن وواشنطن أيضا، قبل أن تسارع هذه الدول، عندما فاجأتها الثورات العربية، إلى تهنئة الشعب المصري بنجاحه في إنهاء الحكم الشمولي المستبد الذي لطالما دعمته.
وأضافت الصحيفة أن فرنسا وضعت يدها من جديد في يد حكومة ديكتاتورية مستبدة، بعد أن نفذ السيسي انقلابا دمويا على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وإصدار عدد من الأحكام بالإعدام والتضييق على الحريات، وسط صمت فرنسي مطبق، كأن لسان حالها يقول إن فسحة الديمقراطية قد انتهت، وحان وقت العودة للدكتاتورية.
كما اعتبرت الصحيفة أن الوضع القائم في مصر لا يحتمل، حيث إن المصريين فقدوا حريتهم، ودعت الرئيس الفرنسي إلى ممارسة الضغط على السيسي لوقف القمع ضد المصريين، وإقناعه بأن تحقيق الاستقرار في مصر والمنطقة من خلال الاستبداد هو مجرد وهم.
وأكدت أن هولاند اعتمد سياسة براغماتية، وقبل بالأمر الواقع من أجل تحقيق مصالح يعتبرها أهم من القيم، حيث أقام علاقات وطيدة مع المملكة العربية السعودية التي لا تزال تتمسك بقوانين منافية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى العلاقات مع الجزائر التي تقمع الاحتجاجات والتحركات النقابية باستمرار.
وقام هولاند أيضا بإقامة علاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي تمارس التعذيب بحق المعارضين، وتعامل العمال المهاجرين في مشروع متحف اللوفر في أبو ظبي معاملة لا إنسانية، بالإضافة إلى توقيع وزارة العدل الفرنسية اتفاقية مع المغرب التي يواجه رئيس مخابراتها السابق تهما بممارسة التعذيب.
وأضافت الصحيفة أنه كان من الممكن أن تقدم فرنسا المزيد من الدعم لتونس في عملية التحول الديمقراطي، وأن تتصدى لمجازر الأسد في سوريا، كما تندد بمجازر تنظيم الدولة، وأن تحمي شعب أفريقيا الوسطى بعد أن استولى تنظيم سيليكما على الحكم هناك.
وأوضح المقال أن فرنسا لا تتعامل مع العالم العربي فقط بدبلوماسية المعايير المزدوجة، بل إنها تعتمد هذه الدبلوماسية حتى مع دول أخرى، فزيارات المسؤولين الفرنسيين إلى أذربيجان في ازدياد، رغم أن نظام الهام علييف يعتقل الناشطة الحقوقية ليلى يونس بتهمة رفع شعارات معادية لسياسة النظام.
أما في الصين، فان الإليزيه لا يتجرأ على أن يتحدث على الملأ عن ليو شيابو، رغم استمرار اعتقاله منذ 2008 لدى السلطات الصينية، ورغم حصوله على جائزة نوبل للسلام في 2010.
وأشار المقال أيضا إلى قضية المعلم ذي الأصول الإيغورية إلهام توتي، الذي توج بجائزة شخصية المستقبل لإسهاماته العديدة، والمحكوم بالمؤبد في الصين منذ 2013. كما أن فرنسا تريد الانتفاع من التقارب الكوبي الأمريكي الأخير، دون أن تولي أوضاع حقوق الإنسان في كوبا أي اهتمام. وليس هذا فحسب، بل قامت فرنسا أيضا باستدعاء الرئيس المكسيكي في عيد الجمهورية الفرنسية، دون أن تعلق على فساد جهاز الشرطة المكسيكي.
ورأت الصحيفة أن السياسة البراغماتية الفرنسية تعدّ فاشلة؛ لأنها تغيب قيم حقوق الإنسان، وأنها سياسة تفتقر إلى التناسق مع القيم الفرنسية، مشيرة إلى أن عدم الاهتمام بحقوق الإنسان يجعل سياسة فرنسا أكثر تناقضا ومجهولة النتائج.
وفي الختام، قالت الصحيفة إنه لا يزال أمام الرئيس هولاند 18 شهرا في عهدته، ليعيد لحقوق الإنسان اعتبارها، وإلا فإن فترته سيذكرها التاريخ على أنها تميزت بالسعي لتحقيق المصالح والأهداف الاقتصادية، كالتخفيض من نسبة البطالة وإنعاش الصادرات، دون الالتفات لحقوق الإنسان التي تدعي فرنسا والاتحاد الأوروبي حمايتها.
كما حذرت من أن البون الشاسع بين الخطابات والقرارات سوف يؤدي إلى مزيد من انهيار مصداقية السياسيين لدى المواطنين.