"سيذكر التاريخ بأن جملة "الشعب السوري واحد" التي طالب بها السوريين في بداية حراكهم ضد آل الأسد، قتلها طرفا الصراع ولم يقتلها الشعب السوري"، هكذا يستهل نائب رئيس حركة المجتمع التعددي، ياسين عضيمة حديثه لـ"عربي 21".
عضيمة خريج العلوم السياسية، والمنحدر من أسرة معارضة من الطائفة العلوية تنتمي إلى فكر الضابط العلوي الراحل في سجون النظام صلاح جديد، ترك وظيفته كرئيس قسم في أحد فروع المخابرات في أيار/ مايو 2012، وقرر الانشقاق عن النظام بسبب "الجنون بالتعاطي مع المظاهرات السلمية من النظام، أي لغاية إنسانية بحتة"، كما يقول.
عقب انشقاقه وصل إلى مناطق
المعارضة في إدلب، وأمضى فيها حوالي تسعة أشهر، إلى أن بدأت الجماعات الإسلامية تتوغل، ومنها قرر الذهاب إلى تركيا، لكن ما شاهده في تركيا من تفكك للمعارضة حدا به للانتقال إلى العاصمة الفرنسية باريس، والإقامة فيها، وفق قوله لـ"عربي21".
يستذكر عضيمة حوادث كان شاهدا عليها في بدايات الثورة، على اعتبار أنه كان رئيسا لقسم المعلومات في أكثر من فرع للمخابرات، فيقول: "سألني رئيس فرع مخابرات عن القرار الذي ينبغي اتخاذه لحظة بداية نزول الجيش إلى الشوارع، فقلت له حينها لن نستطيع مقاومة رياح التغير، صورة بشار خلفك يجب أن تتغير، وعندما قلت له ذلك طلب مني أن أخفض من صوتي خوفا من العناصر المكلفة بحراسته على باب المكتب".
ويضيف: "قام هذا الضابط الذي كان من الطائفة العلوية على الفور بالتسجيل على أنه مريض بمرض عصبي، وقام برفع كتاب للواء عبد الفتاح قدسية؛ ليتم نقله فيما بعد إلى فرع إداري في قيادة المنطقة الجنوبية، وعين بعده ضابط علوي اسمه كفاح ملحم، وهو من أشد دعاة
الطائفية، وهو من أوائل الضباط الذين بادروا إلى اتخاذ قرار ضرب المدنيين".
وفي حادثة أخرى مشابهة يروي عضيمة حكاية كان هو طرفا فيها، بينما كان الطرف الآخر ضابط رفيع المستوى في الحرس القديم. ويقول: "تواصلت معه وهو لا يزال قائما على رأس عمله، على أمل أن أستدرجه للانشقاق عن النظام، ردّ علي بالترحيب، لكنه في المقابل قال إن المعارضة غير واضحة، وتفتقر إلى خطاب جامع، وهل أنتم قادرون على تأمين بيت للسكن إن قررت القدوم إليكم؟".
وفي إطار تواصله مع الوجوه المعارضة العلوية في الائتلاف الوطني السوري، ينقل عن أحدهم مقولة: "كل علوي ينشق عن هذا النظام هو غبي". ويضيف: "مع أن هذا الشخص كان دائم الظهور على الفضائيات المعارضة على أنه معارض، إلا أن مصالح الطائفة كانت آخر همه".
وينقل عن المعارض العلوي ذاته قوله أيضا: "إن سقط النظام أو لم يسقط فأنا أحمل الجواز البريطاني، ولا تهمني كل
سوريا".
ويرى عضيمة أن مؤسسات المعارضة "لم تستطع، بسوء تدبير منها، وبتوجيه مقصود من الدول الممولة، أن تمكن المعارضين
العلويين من التعبير عن أنفسهم بالشكل المطلوب، ولذلك أستطيع أن أقول إن الطائفة العلوية تختار الوقوف إلى جانب النظام"، حسب اعتقاده.
وبناء عليه يعتقد عضيمة أن "من تم وضعهم في الائتلاف السوري على أنهم معارضة من الطائفة العلوية، كانوا شخصيات منفصلة عن الواقع العلوي تماما، لأنهم كانوا خارج البلاد منذ سنوات طويلة".
"ياهو إللي يلزمك ما يرحمك"، مثل شعبي عراقي يراه عضيمة منطبقا تماما على الطائفة العلوية في سوريا، "فالنظام يكشر عن أنيابه دائما في وجههم، والمعارضة السورية فشلت في ترويج خطاب إعلامي وطني جامع يعيدهم إلى الحالة السورية".
ويضيف: "انظر إلى خطابهم على وسائل الإعلام.. هم (المعارضون العلويون) يتوعدون الطائفة أكثر من بعض المعارضين السنة، لقد فشلوا في المؤتمرات المعارضة العلوية التي عقدوها في القاهرة، وفي استنبول".
ووفق عضيمة، فإن الشعب السوري بكل فئاته لديه أكثر من سبب للقيام ضد سلطة الأسد، من أهمها عدم وجود حياة سياسية طبيعية، واحتكار السلطة للعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما يفسر انخراط علويين كثيرين بمظاهرات خلال الأشهر الأولى.
لكن في المقابل يرى أن هناك عوامل طارئة جعلت الشارع العلوي يتردد في الانخراط الجدي في التظاهر ضد آل الأسد، من أهمها أن نسبة المعتقلين العلويين من المعارضة السورية ككل وصلت إلى 75 في المئة بين عامي 1970و1982، كما ساعد استحضار إعلام النظام لحالات التطرّف الإسلامي في ذلك أيضا.
وفي سياق مغاير، بعيدا عن المعارضة العلوية، وعند الحديث عن ردة فعل العلويين تجاه ازدياد النفوذ الإيراني في البلاد، يبين عضيمة بالقول: "عمل حافظ الأسد منذ توليه السلطة على بعثرة الطائفة عبر إلغاء المرجعية الدينية للعلويين، على خلاف الطوائف الأخرى كالإسماعيلين والدروز، ليضمن من خلال ذلك أن يكون هو المرجع لهذه الطائفة، وهو الخط الذي حافظ عليه الابن بعد رحيل الأب، غير أن بشار زاد على نهج أبيه حين قام بتنصب مرجعية للطائفة من شخصيات مخابراتية".
ويضيف: "الآن بدأت حملات التشيّع في قرى الساحل الفقيرة من إيران. والعلويون عموما وصلوا لحالة الاستياء من تمادي الدور الإيراني"، لكنه يستدرك بالقول: "لا خيار لديهم فهم جزء من الشعب السوري الذي فقد الخيار".