نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا تحدث فيه عن
جيريمي كوربين، أبرز المرشحين لرئاسة
حزب العمال البريطاني، الخصم اللدود لحزب المحافظين الحاكم، وأشار إلى تحذيرات رئيس الوزراء الأسبق
توني بلير الذي قاد
بريطانيا للمشاركة في الحرب ضد العراق، من التوصيت لكوربين.
وفي معرض توصيفه لكوربين قال التقرير الذي كتبته ليندسي جيرمان: "يتفوق جيريمي كوربين، المتقدم بين المتنافسين على زعامة حزب العمال، على كثير من منتقديه بأنه كان دوما معارضا للحرب على العراق وكذلك للحرب على الإرهاب".
وأضافت: "الإصابة بالذعر. ذلك هو التفسير الوحيد لحملة الإدانات المستميتة والغاضبة التي يشنها تيار اليمين داخل حزب العمال البريطاني إزاء الفرص المتزايدة أمام النائب عن دائرة شمال إرلينغتون جيريمي كوربين للفوز في المنافسة على زعامة الحزب والتي ستعلن نتيجتها في الثاني عشر من سبتمبر".
وأشارت إلى أنه فاجأ الدعم الشعبي العارم الذي حظي به هذا المرشح، "الذي ظل معارضا للحرب ومناهضا للتقشف، معظم السياسيين العماليين ودهمهم من حيث لم يحتسبوا. ولعل ما وقع في ريعهم من رعب إزاء هذا التطور ينم عن إحساس لديهم بأنهم دون غيرهم الأحق في المواقع التي يحتلونها، ويعبر عن كبر في نفوسهم لم تنطفئ جذوته رغم فشلهم السياسي الذريع، ويكشف عن تهافت ادعاءاتهم بالالتزام ولا حتى بأي شكل من أشكال الديمقراطية الحقيقية".
وتحدثت الكاتبة عن المقالة الأخيرة لتوني بلير الذي وصفته بـ"المليونير القارع لطبول الحرب"، وقالت إنه "يهاجم فيها كوربين، محذرا من أن حزب العمال سيباد عن بكرة أبيه فيما لو أصبح كوربين زعيما له". وكتب بلير في الغارديان يقول: "أرى الحزب يسير وعيناه مغمضتان وذراعاه ممدودتان، يوشك أن يصل حافة الهاوية ويسقط ليتحطم على الصخور المدببة في قعر الوادي. ليس هذا وقت الامتناع عن تعكير صفو مثل هذه المشية بحجة أن ذلك قد يثير "شقاقا"، وإنما هو وقت التدخل بحركة استنقاذ أشبه بتلك التي يمارسها لاعبو الرغبي، كلما كان ذلك ممكنا".
أما زميله في قرع طبول الحرب ورفيق دربه وزير الخارجية السابق جاك سترو، فقال في مقابلة مع نشرة أخبار القناة الرابعة يوم 13 آب/ أغسطس، إن الانتخابات لا يجوز أن يحكم فيها بناء على الحرب على العراق.
وأما خبير اللف والدوران ألاستير كامبيل، الذي تولى إنتاج فرية ال "45 دقيقة" افترى فيها ما زعم من حصول العراق على أسلحة الدمار الشامل (وانه قادر على إيصال صواريخ حاملة لتلك الأسلحة لتدمير أراض بريطانية في ظرف 45 دقيقة! وهو ما ثبت كذبه) فقال إن انتصار كوربين سيكون بمثابة "حادث تصادم مروري مروع" بالنسبة لحزب العمال.
وقال التقرير إن الأمر يتطلب "مستوى خارقا للعادة، من الكبر وانعدام الإحساس لدى أولئك الذين صمموا واحدة من أكثر الحروب كارثية في العصر الحديث والتي ما زالت تداعياتها ماثلة للعيان في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بنتائج كارثية، حتى تتشكل لديهم القناعة بأنه ينبغي على الناس أن يصغوا لترهاتهم. يسمو جيريمي كوربين فوقهم جميعا لأنه كان منذ عام 2001 دوما معارضا للحرب على العراق وكذلك معارضا للحرب على الإرهاب، ولقد أثبتت الأيام أنه كان على الحق".
وأوضحت أن رؤية كوربين كانت "أكثر انسجاما مع موقف الرأي العام، سواء في ما يتعلق بهذه القضية أم بغيرها من القضايا. كم هو عدد الناس الذين يؤيدون جيريمي في هذه الانتخابات ويفعلون ذلك بسبب موقفه من الحرب على العراق؟ بالمقابل، لقد كبد طوني بلير حزب العمال ما يقرب من مليون صوت فقدها الحزب في انتخابات عام 2005 (وهي الخسارة التي يقر الجميع بأن الحزب مني بها بسبب الحرب)، كما أن عهده شهد انكماشا في عضوية الحزب، وذلك على الأغلب لنفس السبب، ثم ما لبث أن فرض عليه التخلي عن منصبه في عام 2007، وتارة أخرى يعزى ذلك ولو جزئيا إلى تحمسه الشديد لدعم إسرائيل في حربها على لبنان في عام 2006".
وبينت أن "معظم التراجع في الدعم الذي يحظى به حزب العمال يرجع إلى الحرب على العراق وما تمخضت عنه من نتائج. ما من شك في أن ثمة قضايا أخرى كثيرة ساهمت الآن في إقناع كثير من أعضاء حزب العمال وأنصاره بدعم جيريمي كوربين، ومنها: معارضة برنامج التقشف الذي تنهجه الحكومة، والإحساس بالحاجة الماسة إلى وقف انعدام المساواة الذي تتسع هوته يوما بعد يوم والعمل على تجسير هذه الهوة، ومعارضة تحويل المهاجرين والمسلمين بشكل خاص إلى أكباش فداء. ومن المؤكد أن الهستيريا المصاحبة للحملات المعارضة لجيريمي كوربين تنبع من الإجماع النيوليبرالي (الليبرالي الجديد) والذي يتحمل المسؤولية أساسا عن إيجاد هذه الهوة من عدم المساواة".
وقال إن قوة حملة كوربين تكمن في "كونها تقصم الإجماع السياسي السائد في المملكة المتحدة وفي غيرها وتقدم بديلاً حقيقيا له. بينما يزعم منتسبو تيار اليمين في حزب العمال أن المحافظين سيرحبون بفوز كوربين برئاسة حزب العمال، فإن هذا لا يخطر بتاتا ببال من هم أكثر ذكاء من بينهم. والحقيقة هي أن الإجماع النيوليبرالي المؤيد للحرب يحتاج إلى قيادة عمالية منبطحة وهزيلة، بحيث يتمكن من جرها أكثر فأكثر نحو المنطقة الأقرب إليه ممنيا نفسه بأنه سيكون قادرا بذلك على تنفيذ ما قد يبدو أكثر إنسانية لما هو في الحقيقة سياسات همجية. أما الحزب الذي يقوده كوربين فسيعمد إلى أن يدخل في برنامجه سلسلة من السياسات التي سيتمنى المحافظون لو أنها لم تجد طريقها إلى البث حتى لا يعلم بها الناس".
وأضافت أن "في الأمر مسألة صغيرة تتعلق هنا بموضوع الديمقراطية، فالنظام الانتخابي لحزب العمال جرى تعديله صراحة بهدف تقليص نفوذ النقابات العمالية، وقد قبلت بذلك جميع الأطراف في مؤتمر الحزب. وأنهى ذلك النظام الانتخابي المعمول به والذي كان يحظى من خلاله أعضاء البرلمان بثلث الأصوات والنقابات العمالية بثلث وأعضاء الحزب بصفتهم الشخصية بالثلث الأخير. لعل مما لا يأتي الناس على ذكره كثيرا ولكنه مما يغيظ طوني بلير وجوقته أن أعضاء البرلمان لا يتمتعون بنفوذ في الانتخابات التي تجرى داخل الحزب أكثر من غيرهم (مع أن لديهم صلاحية منع الأعضاء من الترشح ابتداءً). لقد غدا النظام الجديد لصالح اليسار داخل الحزب رغم أن هذا لم يكن أبدا الهدف من إيجاده. لقد ظن أتباع بلير أنهم وضعوا حدا لاندفاع الأعضاء والمؤيدين ومنتسبي النقابات العمالية نحو التصويت لصالح مرشح اليسار. والآن، لا يكادون يصدقون كم كانوا خاطئين".
وتابعت: "يزعمون الآن باستماتة بأنه يوجد الآلاف ممن سجلوا أسماءهم كناخبين رغم أنهم جاءوا يحملون أجندات خاصة بهم، والقصد من هذا الزعم هو القيام بغربلة القوائم لحذف من يتمكنون من استبعاده. وهذا نقض للديمقراطية، وهو كالنقض الذي شهدنا الديمقراطية تتعرض له حينما جرى التصويت على الحرب على العراق. خرج الملايين من المتظاهرين وقتها إلى الشوارع احتجاجا على الحرب ولكن لم يؤبه لهم، بل عوملوا بازدراء شديد من قبل القيادة التي تحججت بأنها حازت دعم الملايين الصامتة من الناس، والذين لم تعتبر هذه القيادة الاستماع إلى وجهات نظرهم أمرا يستحق الاهتمام".
وأكدت أن الذي يحدث في حملة كوربين هو "أن كثيرا من الناس أفاقوا من غفلتهم ليروا أن بالإمكان فعلاً إيجاد برنامج سياسي بديل وأن بالإمكان مكافحة الأجندة النيوليبرالية. لربما أكثر ما يرعب أتباع بلير أن أسطورة الإبادة التي يحذرون من أن الحزب سيتعرض لها ستتبدد، وستثبت السياسات التي يطرحها كوربين أنها قادرة على تمكين الحزب من الفوز بالانتخابات. ما يعد له المحافظون من هجوم كاسح على حقوق الناس أثناء فترة حكومتهم هذه سوف يولد معارضة واسعة النطاق، ولا أدل على ذلك من تنظيم مظاهرة كبيرة واحدة على الأقل معارضة للتقشف منذ الانتخابات الأخيرة، دعا إليها ونظمها "تجمع الشعب"، وستنظم احتجاجات جماهيرية في شهر أكتوبر أمام مقر انعقاد مؤتمر حزب المحافظين في مانشستر".
وختمت ليندسي جيرمان تقريرها بقولها إنه "لا يعدو ترشح كوربين لانتخابات الرئاسة في حزب العمال كونه مظهرا من مظاهر هذه الحركة الجماهيرية، والتي بات السياسيون يخشون من أنها ستوقد جذوة المعارضة ضد سياساتهم".