خلال الشهرين الماضيين تمّ التوصّل إلى اتفاقين يتعلقان بالشرق الأوسط. الأول بين أميركا وإيران لاحتواء الطموحات النووية للأخيرة. والثاني بين أميركا وتركيا سمح للأخيرة بإقامة شريط حدودي شمال سوريا في مقابل موافقتها على استعمال الأولى قاعدتها العسكرية الجوية في إنجرليك التركية لمحاربة "داعش".
هذان الاتفاقان، يلفت باحثون في مركز أبحاث أمريكي واسع الإطلاع، ينطويان على تناقض. فتركيا وإيران دولتان رئيسيتان في الشرق الأوسط، تعمل واشنطن لإقامة توازن بينهما. وإدارة الرئيس أوباما ما كانت أنجزت اتفاقا مع تركيا لولا الاتفاق (النووي) مع
إيران. وبما أن واشنطن بدأت الآن مسيرة تطبيع طويلة مع طهران، فإنها تستطيع التفاهم مع شركائها السنّة في المنطقة.
هل الأمور بهذه البساطة؟
هي ليست بسيطة، يجيب الباحثون أنفسهم. إذ إن التحدي الحقيقي بدأ الآن. فأمريكا أعدّت لتركيا وإيران رقعة شطرنج كي تلعبا. والسؤال هو: هل تستطيع أن تصالح المصالح الإيرانية والتركية في سوريا، بحيث ينهي ذلك حربها الأهلية ويؤسس لاتفاق تشارك سلطة فيها؟ والجواب هو أن هذا الأمر سيكون الهدف في المرحلة المقبلة. علما أن ليس هناك ضمان أن تحقق أمريكا النتائج التي تريد. إذ لا أحد يعرف إذا كانت قادرة على ضبط طموحات تركيا. فما يقود التورّط العسكري المتزايد للأخيرة في شمال سوريا أهداف ثلاثة؛ الأول حماية تركيا من تهديد جهادي حقيقي. والثاني منع الحكم الذاتي الكردي بالقوة العسكرية. والثالث ترتيب أوضاع حلفائها السياسيين و"العسكريين" في سوريا كي يطيحوا الأسد ويقيموا نظاما جديدا فيها. وأمريكا مع الهدف الأول. لكن الهدف الثاني يخلق لها تعقيدات؛ لأن القوات الكردية مفيدة لها في قتال "داعش". أما الهدف الثالث فينطوي على شيء من المغامرة وربما المقامرة في مرحلة ترتيب العلاقة مع إيران.
كيف يمكن معالجة الموضوع السوري مع إيران؟
ستتركز المناقشات بين واشنطن وطهران حول مرحلة ما بعد الأسد على موضوع مهم، هو المحافظة على المؤسسات السورية وعدم تكرار خطأ حل جيش العراق بعد إطاحة نظام صدام حسين، وفتح الباب أمام الصراع المذهبي فيه. والمحافظة المذكورة تقوّي موقف العلويين في أي اتفاق لتقاسم السلطة، ويفتح ذلك المجال لمناقشة صعبة مع الإيرانيين حول نسبة مشاركة الغالبية السنية في السلطة.،وهم يستطيعون إيجاد وسائل عدة لمواجهة طموحات تركيا السنّية في سوريا. طبعا ليست تركيا الدولة السنية الوحيدة المعنية بملف سوريا وسنّتها في نظامها الجديد، فهناك السعودية والأردن ودول خليجية عدة. وهي لن تقبل نظاما لسوريا يبقي لإيران في سوريا قوة ونفوذا وفاعلية؛ فالسعودية لا ترى الوقت ملائما لتسوية مع إيران، فهي كانت تفضل التوصّل إلى حل متفاوض عليه لسوريا قبل إراحة الأخيرة من العقوبات المتنوعة، ومن التهديد بعمل أمريكي عسكري ضدها. طبعا تحاول إيران توجيه رسائل للدول المذكورة تؤكد رغبتها في علاقة تعاون معهم، ومن هنا دعوة وزير خارجيتها ظريف في زياراته الاقليمية إلى التعاون، وإشارته في المحادثات إلى استعداد بلاده لوقف تدخلها العسكري في سوريا والعراق لتسهيل التوصّل إلى تفاهم كبير.
طبعا السعودية لا تثق حتى الآن بنيات إيران، وهي تعتقد أن المسؤولين في طهران يريدون التفاوض وهم في موقع قوي بعد الاتفاق النووي من جهة. ومن أخرى يريدون إظهار قدرتهم على التسبب بمشكلات لأخصامها السنة إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ومهمة أمربكا هي إزالة كل هذه الأخطار والشكوك والمخاوف وقلة الثقة حتى الانعدام، من أجل حل أزمة سوريا. ومهمتها أيضا أن تكون دقيقة في استخلاصها العبر من أخطائها السابقة، ومنها حل الجيش العراقي الذي فرط الدولة. وعدم دقتها يظهر من خلال اعتبار وضع سوريا اليوم مشابها للعراق عام 2003. ففي ذلك اليوم كان العراق لا يزال قائما دولة ومؤسسات، ولذلك كانت المحافظة عليها ضرورية. أما سوريا الآن فدولة فارطة ومؤسسات منقسمة وبلا فاعلية، وحاكمها يمثّل أقلية، أي ليست فيها مؤسسات للمحافظة عليها.
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)