أثار استخدام "يخت
المحروسة" في افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة، الخميس، استهجان العديد من الإعلاميين والناشطين، حيث إنهم يعتقدون بأن قائد الانقلاب العسكري في
مصر، عبد الفتاح
السيسي، يحاول من خلال ذلك إيصال رسائل دعائية كالتشبه بالرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور
السادات، وأنه يريد إعطاء شرعية على حكمه من خلال مواقف رمزية، إلى جانب السعي إلى إيصال بعض الرسائل إلى معارضيه.
ويعد بذلك "يخت المحروسة" أول سفينة تبحر في المجرى الملاحي للقناة الجديدة، في بداية مراسم افتتاحها رسميا أمام حركة الملاحة العالمية، وقد ركب على متنها السيسي ببزته العسكرية، ظاهرا في صورة دعائية وهو يبتسم ابتسامة واسعة، ويضع يده اليسرى على طفل يرتدي بزة عسكرية أيضا.
يشار إلى أن "يخت المحروسة" تم إنشاؤه عام 1865، حاملا على متنه العديد من الملوك والرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر، وهي الدلالة التي ربما حاول السيسي إيصالها، حيث إنه على الرغم من أنه وصل إلى الحكم من خلال انقلاب عسكري، إلا أنه يريد فرض نفسه حاكما على مصر عقب انتخابات وصفت بـ"المسرحية"، وفق معلقين.
ورصدت "
عربي21" تعليقات الناشطين والإعلاميين على اختيار السيسي ليخت المحروسة في مراسم الافتتاح.
من جهته، علّق الإعلامي في قناة الجزيرة جمال ريان على ذلك في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، بالقول: "سيذكر التاريخ أن ركوب المحروسة لم يمنحك شرعية رئيسها محمد مرسي فك الله أسره"، مضيفا: "ليس من حقك ركوب المحروسة اغتصابا، إنها من حق رئيسها الشرعي مرسي، هو من اختاره المصريون بإرادتهم الحرة، وليس أنت".
ويمثل ارتداء السيسي للبذلة العسكرية في مصر بالنسبة للناشطين تصديقا لانتقاداتهم حول عودة النظام العسكري في مصر في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، معتبرين أن الدولة البوليسية في عهد السيسي تخطت ما كانت عليه إبان حكم جمال عبد الناصر، والرئيس المخلوع حسني مبارك.
حيث انتقدت الإعلامية المصرية نادية أبو المجد ساخرة: "السيسي مرتديا الزي العسكري يصل يخت المحروسة لافتتاح القناة الجديدة: لا والله ما حكم عسكر!".
وفي مقال له، قال الصحفي المصري، وائل قنديل في مقال له بعنوان "المحروس ابن المحروسة": "أنت هنا لست أمام دهاء التاريخ، أو مكرها، بل أنت بمواجهة خبث الواقع ووقاحته، ذلك أن استدعاء المحروسة شيء، واستدعاء أنور السادات واستبعاد جمال عبد الناصر شيء آخر. وحين يرتدي السيسي زي أنور السادات، العسكري، ويستدعي أرملته، مع تجاهل عائلة عبد الناصر، فإن الرسالة واضحة للخارج والداخل: أنا ابن المحروسة لا ابن الحرية، أنا ابن الحلم المفبرك، والساعة الأوميجا، زعيم أحلامي هو السادات".
وغرّدت ناشطة أخرى، قائلة: "يقوم ما يشبه السادات بتحية ما يشبه الجماهير، وهو على ظهر اليخت الملكي، لا الرئاسي، حيث يطل على رمال الصحراء".
وقال ناشط مصري في "تويتر": "عفوا أيها الجنرال سيذكر التاريخ أنك ركبت المحروسة غدرا واغتصابا، وسيذكر التاريخ أن ركوب المحروسة لم يمنحك شرعية رئيسها محمد مرسي".
وأشار إلى أن "السيسي يرتدي الزي العسكري ويركب المحروسة.. ممكن تتأملوا الجملة دي شوية .. فهي تعبر بدقة عن حالنا عما يحدث في مصر".
في المقابل، رأى مغردون مؤيدون للانقلاب أن "دخول السيسي الحفل مستخدما يخت الخديوي ذاته في الحفل الأول، هي رسالة لمعارضيه وللدول الخارجية".
فيما اعتبر آخرون أن يخت "المحروسة" يمثّل "الصندوق الأسود" لتاريخ "ملوك ورؤساء مصر".
ويعدّ يخت "المحروسة" بمنزلة قصر عائم؛ حيث يتميز بفخامته الشديدة، ويحتوي على العديد من المقتنيات الثمينة، المصنوعة من الذهب الخالص.
وبدأت قصة اليخت عندما أمر الخديوي إسماعيل بإنشائه عام 1863، وأسندت المهمة لشركة بريطانية، انتهت من بنائه بعد عامين، وتسلمته البحرية المصرية في آب/ أغسطس 1865، ليبحر في أول رحلة له من لندن إلى الإسكندرية.
أُطلق على اليخت اسم "المحروسة"، وظل بهذا الاسم إلى أن غادر الملك فاروق على متنه إلى إيطاليا، بعد تنازله عن الحكم، في أعقاب ثورة 23 تموز/ يوليو 1953، وفور عودة اليخت إلى مصر، أمر جمال عبد الناصر بتغيير اسمه إلى "الحرية".
ولكن الرئيس الأسبق، حسني مبارك، أمر عام 2000 بتغيير اسم اليخت التابع لرئاسة الجمهورية، ويتخذ من قاعدة "رأس التين" البحرية بالإسكندرية مقرا له، مرة أخرى، وأعاد إليه اسمه السابق "المحروسة".
يشار إلى أن مشروع "قناة السويس الجديدة" أطلقه زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي في السادس من آب/ أغسطس العام الماضي، مطالبا الجهات المختصة بإتمامه في عام واحد.
وتضمن المشروع حفر مجرى ملاحي مواز لقناة السويس، بطول 35 كيلومترا، وبعرض 317 مترا، وبعمق 24 مترا، ليسمح بعبور سفن بغاطس يصل إلى 66 قدما، في حين يتقدم المجرى الملاحي الجديد من الكيلو 60 إلى الكيلو 95 من القناة القديمة.
وتضمن توسيع وتعميق تفريعة البحيرات الكبرى بطول حوالي 27 كيلومترا، وتفريعة البلاح بطول نحو عشرة كيلومترات، ليصل إجمالي طول مشروع القناة الجديدة إلى 72 كيلومترا.
لكن البعض يشكك في جدوى المشروع، ويرى أن لا طائل منه للبلاد، ولو في المستقبل القريب على الأقل.
وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في القاهرة، في تصريحات سابقة لـ"
عربي21" إن التوقعات "مجرد أمنيات"، مضيفا أنه "لم تتم دراسة جدوى -أو لم نعرف بذلك- لتقييم جدوى المشروع."
ويقول وليام جاكسون من مؤسسة كابيتال إيكونوميكس إنه لكي يحقق المشروع الإيرادات المستهدفة، يجب أن تزيد حركة التجارة العالمية بنسبة 9 بالمئة سنويا حتى 2023، بينما لا تزيد التقديرات لمتوسط النمو لحركة التجارة العالمية خلال السنوات الأربع المقبلة على 3 بالمئة.
ومنذ 2011، لم تحقق قناة السويس زيادة في الإيرادات توازي النمو في حركة التجارة العالمية.
وطيلة الفترة الماضية، يتداول نشطاء مصريون معارضون أن مشروع "تنمية محور قناة السويس" الذي طرحه مرسي في عام 2012، هو أكبر وأهم من الممر المائي المحدود الذي يفتتح اليوم، حيث كان يضمن إقامة منطقة تنمية صناعية وزراعية وتجارية وخدمية وتكنولوجية متكاملة، عرضها بهدف جذب المستثمرين من مصر وجميع أنحاء العالم، إلا أن الإطاحة به في 3 تموز/ يوليو 2013 حالت دون تحقيق المشروع.