هل تغير
السعودية موقفها من
الإخوان عموما، وإخوان مصر على وجه الخصوص؟
أسباب التساؤل
سبب هذا السؤال عدة مؤشرات برزت في الآونة الأخيرة لعل أبرزها
الاتفاق الدولي مع
إيران بشأن برنامجها النووي وما يعنيه ذلك من رفع العقوبات عليها، كما أن طهران -وفق رؤية أوباما- لن تشكل خطرا خارجيا، وإنما مشكلتها في أوضاعها الداخلية، ما يعني إطلاق يد إيران ومشروعها الصفوي في استمرار العبث في دول المنطقة بداية من سوريا والعراق ولبنان شمالا، وصولا لليمن جنوبا عبر البحرين وربما السعودية ذاتها، وهو ما يهدد ليس الهيمنة السعودية " الإقليمية المنشودة"، ولكن يهدد المملكة ذاتها.
وبالتالي بات الحديث الآن عن إمكانية تشكيل محور سني تقوده السعودية بالإضافة لقطر وتركيا وغيرها مقابل المحور الشيعي، الذي تقوده إيران، والذي يعتمد في وسائله على حركات سياسية ذات مرجعية شيعية، وبالتالي لا بد للسعودي من البحث عن حركات سياسية، ذات مرجعية سنية وسطية، وبالطبع يعد الإخوان في طليعة هذه الحركات لاسيما في ظل انتشارهم وثقلهم السياسي في دول الإقليم.
ومما زاد من أهمية هذا السؤال إقدام المملكة على مجموعة من الخطوات جعلت هذا السؤال منطقيا، ومن ذلك استقبالها الرسمي لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "الإخوانية" بعد قطيعة مع الحركة، استمرت طيلة عقدين من الزمان، فضلا عن استقبالها الرسمي أيضا لقيادات كبيرة في حزب الإصلاح اليمني "الإخواني" أبرزها الشيخ عبد المجيد الزنداني، ومن قبل ذلك استقبالها الشيخ رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي.
وقد طرحت هذه اللقاءات تساؤلا ليس فقط عن تحسين العلاقة بين إخوان هذه الدول والسعودية، ولكن عن إمكانية تحسين العلاقة مع الكيان الأم في مصر، وهل يمكن أن تلعب هذه الأطراف "الإخوانية" دورا في عملية الوساطة والمصالحة؟
التباينات بين السعودية ومصر "السيسي"
وفي مقابل هذه المؤشرات للتقارب السعودي الإخواني، يمكن رصد مجموعة من التباينات بين المملكة والسيسي في العديد من الملفات الإقليمية.
ويأتي الملف اليمني في مقدمة هذه التباينات، فبالرغم من مشاركة السيسي في عملية الحزم، إلا أن وسائل الإعلام التابعة له هاجمت الموقف السعودي من الحوثيين، بل قامت الخارجية المصرية في يوليو / تموز 2015 باستقبال قيادات من حزب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، والسماح بإقامة معرض للحوثيين في ساقية الصاوي الشهيرة، بشأن ضحايا عاصفة الحزم تحت شعار " فضح الممارسات السعودية"، وهو ما اعتبرته المملكة سلوكا غير مبرر.
نفس الأمر بالنسبة لسوريا والموقف السعودي، الذي يرى أن مشكلة سوريا تكمن في نظام الأسد، وتعمل الرياض على توحيد جهود المعارضة السورية –وفي القلب منها الإخوان- من أجل الإطاحة بالنظام، بينما يرى السيسي أن الأسد لا بد أن يكون في المشهد السياسي على الأقل خلال المرحلة الانتقالية التي تلي وقف العنف.
ولا يختلف الأمر كثيرا في ليبيا، واعتراض المملكة على دعم السيسي لحفتر، ويبدوا أن ملف العلاقة مع إيران سيكون له دور مهم في تحديد مستقبل العلاقات، لاسيما بعد بروز اتجاه واضح لدى المملكة في تشكيل التحالف السني في مواجهة النفوذ الشيعي، إذ قد لا تقبل الرياض بسياسة المواربة وإمساك العصا من النصف التي يتبعها السيسي الآن في اليمن.
محددات العلاقة بين السعودية وإخوان مصر
وقبل الإجابة على التساؤل الخاص بالعلاقة بين السعودية وإخوان مصر، قد يكون من المهم بداية بيان محددات هذه العلاقة بين الجانبين.
يلاحظ أن السعودية منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وحتى الوقت الراهن حرصت على عدم وجود كيان تنظيمي للإخوان بها، ولعل المقولة الشهيرة للملك خلال مقابلته الأستاذ البنا في أحد مواسم الحج "كلنا إخوان وكلنا مسلمون"، وبالتالي كان واضحا أن هناك مجموعة من المحددات الحاكمة لهذه السياسة أبرزها ما يلي:
1- حرص المملكة على التمسك"ولو شكليا" بالمذهب السلفي الوهابي الذي يعد أحد ركائز شرعية نظام الحكم هناك، والذي ربما يتعارض مع منهج الإخوان الوسطي الإصلاحي الشامل.
2- حرص أبناء عبد العزيز على توطيد دعائم حكمهم، بالصبغة الإسلامية الشكلية لإعطائه الشرعية الداخلية والخارجية.
وبالتالي عدم إعطاء الفرصة للإخوان، لإقامة تنظيم لهم في السعودية، ربما يشكل خطرا على الملك ذاته.
3- أن العلاقة السعودية مع الإخوان تحكمها المصالح لا المبادئ والقيم الإسلامية، وما يرتبط بها من توطيد دعائم حكم آل سعود داخليا، واحتكار هيمنة السعودية باعتبارها زعيمة التيار السني في الخارج.
4- وجود حالة من الثبات في سياسة المملكة الخارجية، بصفة عامة وتجاه مصر بصفة خاصة، فخلال ثمانية عقود لم يتناوب على حقيبة الخارجية سوى الأمير فيصل ونجله الراحل سعود الفيصل.
5- حرص السعودية على عدم وجود ديمقراطية في مصر، حتى وإن جاءت بليبراليين أو يساريين لكي لا تنتقل هذه العدوى إليها، ناهيك عن أن تأتي هذه الديمقراطية بالإخوان الخصم الرئيسي للنظام الوهابي.
6- رفض السعودية فكرة البيعة لمرشد الإخوان، واعتبار ذلك متعارضا مع البيعة للملك، وربما هذا يفسر تصريح وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل في فبراير / شباط 2015 أي بعد وفاة الملك عبد الله الذي قال فيه "ليس لدى المملكة مشكلة مع الإخوان المسلمين، إلا مع قلة تحمل بيعة للمرشد"، وهو ما تم فهمه في حينها على التمييز السعودي بين إخوان مصر وإخوان السعودية، الذين يبايعون المرشد، والذي قد يكون على حساب الملك " ولي الأمر".
في حين يرى فريق آخر أن السعودية لا تعمل على التفرقة بين الإثنين وهو ما اتضح بعد ذلك، لاسيما في ظل عدم وجود تنظيم رسمي للإخوان هناك.
هذه المحددات ربما تجعل هناك صعوبة كبيرة في الحديث عن إمكانية تغيير المملكة سياستها تجاه الإخوان، أو حتى تجاه السيسي.
فمن الواضح أن المملكة حريصة على عدم التضحية بالسيسي، باعتباره الحليف الأقرب إليها في مواجهة الإخوان، ولم تؤثر تسريبات مكتبه إبان توليه حقيبة الدفاع بعد الانقلاب، والتي أساء فيها لدول الخليج. على علاقته بهذه الدول التي لم تكتف السعودية على لسان الملك سلمان بالتأكيد على أن العلاقات الثنائية بين البلدين أقوى من أي محاولة لزعزعتها، بل شاركت هذه الدول في مؤتمر شرم الشيخ في مارس الماضي "المشاركة السعودية كانت من خلال ولي العهد في حينها الأمير مقرن"، بل وتعهدت الدول الخليجية الثلاث (السعودية والإمارات والكويت) بتقديم منح ومساعدات وودائع له تقدر ب12 مليار دولار.
صحيح أن الانشغال السعودي باليمن، فضلا عن مواقف السيسي، قد تجعل هناك حالة من الاحتقان في العلاقة، لكنها لن تصل إلى درجة القطيعة، فربما تستبدل المساعدات بالقروض والاقتصار على تقديم منح نفطية فقط وهو ما تم بالفعل.
وفي المقابل يلاحظ أن السيسي حريص هو الآخر على عدم إغضاب الرياض، لأنه يدرك أن معاداة السعودية سيخلق إشكالية كبيرة في دعم الإمارات والكويت له، لذا فهو حريص على إزالة أي توتر يطرأ على هذه العلاقة، وربما يعزز هذا الطرح حرص السيسي على زيارة سريعة للرياض، أوائل أيار/مايو الماضي للإعتذار عما بدر من جانب بعض الإعلاميين المصريين المحسوبين عليه لانتقاد سياسة السعودية خاصة فيما يتعلق بموقفها من اليمن، الأمر الذي دفع السعودية عبر سفيرها في القاهرة إلى تقديم احتجاج رسمي للرئاسة المصرية.
ويلاحظ أن السعودية تسير وفق منهج الملفات المتوازية في سياستها الخارجية بمعنى التنسيق مع تركيا التي يفترض أنها تدعم إخوان مصر – في ملف سوريا، دون أن يكون لذلك أثر على إمكانية حدوث تقارب سعودي – إخواني.
ونفس الأمر بالنسبة للملف اليمني، حيث التحالف السعودي القطري، لكن دون أن يكون له انعكاسات أيضا على العلاقة مع إخوان مصر بغرض أن قطر تدعم الإخوان.
وهي تتبع ذات النهج في العلاقة مع تنظيمات الإخوان الإقليمية، بمعنى أن التنسيق مع حماس أو الإصلاح أو النهضة ليس معناه المصالحة مع إخوان مصر.
وفي المقابل يبدو أن الإخوان غير المصريين يسيرون أيضا وفق ذات النهج " الملفات المتوازية" ، بمعنى أن لكل فصيل قضيته التي تعنيه سواء في اليمن أو فلسطين أو تونس أو سوريا ، وهذا أمر يكاد يكون هناك اتفاق عليه في علاقة هذه الكيانات بإخوان مصر، حتى قبل الانقلاب الذي قام به السيسي.
سيناريوهات العلاقة بين السعودية وإخوان مصر
في ضوء ما سبق يمكن القول بوجود عدة سيناريوهات، قد تكون حاكمة للسياسة السعودية تجاه مصر والإخوان هي:
السيناريو الأول: سيناريو وجود نظام استبدادي وليس ديمقراطي خشية انتقال عدوى الديمقراطية لها بغض النظر عمن يحكم مصر " ليبرالي – يساري" المهم ألا تكون هناك ديمقراطية في مصر خشية انعكاسها على السعودية، وبالطبع قد يكون النظام العسكري ممثلا في السيسي محققا لهذا الأمر.
السيناريو الثاني: التصالح مع الإخوان والقبول بعودتهم للحكم ثانية بعد الأخذ بمزيد من الضمانات بحقهم . لكن يبدو أن هذا السيناريو في غاية المثالية، كما أن النهج التاريخي للعلاقة يجعله أشبه بالمستحيل ، مهما قدم الإخوان من ضمانات ورسائل تطمينية، إذ يظل الخوف الحقيقي –وليس المتوهم- من الإخوان، عاملا يجعل السعودية وغيرها حتى من الدول الغربية ترفضهم.
السيناريو الثالث: سيناريو إيجاد طرف ثالث "بديل علماني" عن الإخوان والسيسي، وقد يكون الفريق أحمد شفيق هو البديل لاسيما أنه ذو خلفيات عسكرية سابقة . وذو وجهة مدنية حاليا، وفي ذات الوقت معروف عنه أنه شخصية مستبدة وديكتاتورية منذ رئاسته وزارة الطيران المدني، وربما يحمل التواصل الخليجي معه دلالات في هذا الشأن.
وهناك بعض المعلومات بحسب ديفيد هيرست في أحد مقالاته، سربتها بعض الدوائر السياسية المقربة من السعودية في لبنان، حول لقاء عقده مع المعارض الليبرالي المصري أيمن نور في نوفمبر 2014، مع مسئولين سعوديين نافذين ضمن محاولتين رئيسيتين من جانب مسئولين سعوديين للاتصال وإقامة روابط برموز المعارضة المصرية.
ربما الهدف من ذلك تلميع هذه الرموز وجعلها تسود المشهد، أو القيام بوساطة لتحقيق مصالحة مع الإخوان، ربما تتضمن بعض التنازلات مثل الإفراج عن مرسي دون عودته للرئاسة، وكذلك الإفراج عن المعتقلين، وعودة الجماعة كإطار دعوي بالأساس، بينما يكون دورها السياسي محدود جدا " لا يزيد عن 20%" كما كان إبان حكم مبارك في انتخابات 2005، وقد تكرر هذا الأمر مع محامي الجماعات الإسلامية في مصر منتصر الزيات.
ويلاحظ أن السيناريو الأول هو الأقرب للحدوث حتى هذه اللحظة، وإن كان هذا لا يمنع من وجود إمكانية للسيناريو الثالث وإن بدرجة أقل، أما السيناريو الثاني الخاص بعودة الإخوان، فيبدو أنه أقرب للمثالية.