كتب راجح الخوري: من الضروري قراءة خطاب بشار
الأسد في ضوء نيران القذائف التركية التي تدكّ في الوقت عينه المناطق الكردية في شمال
سوريا، وذلك لسبب واضح جدا هو أن عملية تقسيم سوريا دخلت مرحلتها التنفيذية الأخيرة.
ليس كثيرا على الإطلاق اعتبار كلام الأسد بمثابة إعلان ضمني صريح هدفه تبرير القبول بالتقسيم، الذي كان دائما يمثل "الخطة ب" في الحسابات
العلوية منذ وصول والده حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970.
لذلك عندما يقول إن "الانسحاب من مناطق من أجل القدرة على الاحتفاظ بمناطق أخرى أكثر أهمية"، فمن الواضح أنه يحاول تبرير الهزائم والانسحابات دون قتال، كما جرى في تدمر.
لكن المثير أنه يبرر خسارة المحافظات السورية في الشمال والشرق والجنوب، من أجل الاحتفاظ بالمنطقة العلوية (الأكثر أهمية!) في الشمال الغربي. والأكثر إثارة أنه يعلن الاستسلام ضمنا عندما يعترف بأن جيشه يواجه نقصا في الطاقة البشرية، وانه "لا يستطيع المحاربة على كل الجبهات حتى لا يخسر المزيد من الأراضي، ونحن نتخلّى عن مناطق من أجل مناطق أخرى مهمة نتمسك بها"!
ولكن أين اختفى وعده بأنه سيحقق النصر في نهاية 2014، عندما يتحدث عن الإحباط وعن "إننا في مرحلة مصيرية لا حلول وسط فيها "؟ فإذا كانت الانسحابات مبررة لمصلحة الاحتفاظ بـ"دولة الساحل"، والتسوية السلمية مرفوضة عشية سعي دو ميستورا والروس إلى عقد "جنيف 3 "، فماذا يبقى غير التقسيم مخرجا من المقبرة السورية التي صنعها بيديه؟
وعندما يتحدث صراحة عن الدعم الإيراني وعن دور "حزب الله" الحاسم في القتال إلى جانب النظام، فذلك أشبه بإعلان مسبق عن أن "دولة الساحل" ستشكل جسرا استراتيجيا للإيرانيين يربطهم بمناطق نفوذ "حزب الله" عبر الزبداني والقلمون، وصولا إلى الهرمل وبعلبك في الجنوب اللبناني!
رجب طيب أردوغان ليس غائبا عن هذه التطورات الحاسمة في سوريا، فهو يعرف جيدا أن قيام دولة العلويين يمكن أن يفتح الباب ويوفّر الفرص أمام قيام كيان كردي في الشمال السوري، يشكل امتدادا للشمال العراقي الكردي القوي.
ولهذا سارع إلى عقد "صفقة الحافة" التي من الوضح أنها قضت أخيرا بأن يبيع رأس تنظيم "داعش" الذي طالما حظي بدعمه، في مقابل الحصول على رأس طموحات
الأكراد في شمال سوريا!
المقاتلات والدبابات التركية التي تنشط الآن ضد "داعش" تركّز عمليات القصف على المناطق الكردية، والمنطقة الآمنة التي اتفقت
تركيا وأمريكا على إقامتها بين مارع وجرابلس بعمق 50 كيلومترا تساعد أردوغان في صد الطموحات الاستقلالية الكردية.
بشار الأسد أعلن صراحة قيام الدولة العلوية لتبدأ حروب تركية كردية وسنية على اقتسام ما تبقى من سوريا.
(عن صحيفة النهار اللبنانية، 29 تموز/ يوليو 2015)