شهدت الساحة التركية في الآونة الأخيرة تصعيدا بين الأحزاب المعارضة من جهة والحكومة التركية من جهة أخرى، حيث لم تنحصر المنافسة على الانتخابات البرلمانية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب والديمقراطية الكردي، بل تعداه إلى تصعيد عسكري؛ تمثل في تفجيرات اسكندرون التي حدثت بالقرب من مقر حزب العدالة والتنمية، وتبني حزب العمال الكردستاني عملية قتل شرطيين تركيين. وما دخول
تنظيم الدولة على خط المواجهة إلا بداية لفصل سياسي جديد ستشهده
تركيا في الأشهر المقبلة.
تصفية حسابات
وفي محاولة لتصعيد أمني وسياسي جديد في الداخل التركي، يحاول حزب الشعوب والديمقراطية الكردي، أن يلعب لعبة فرض سياسة الأمر الواقع على حزب العدالة والتنمية والحكومة التركية، وكخطوة لإبعاد العدالة عن السلطة، وبناء تحالف حزبي سياسي يكون فيه
الأكراد.
المحلل السياسي والأكاديمي التركي "سمير صالحة" وفي تصريح لصحيفة "
عربي21"، أكد على "سعي حزب الشعوب الكردي، إلى طرح إستراتيجيات جديدة تعارض حكومة العدالة والتنمية، في محاولة من الحزب "تصفية الحسابات مع الرئيس التركي أردوغان وقياداته الحزبية والسياسية، بالتعامل مع قوى سياسية داخلية وبالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية تريد إضعاف الموقف التركي في الساحتين الداخلية والخارجية".
ولفت صالحة إلى أن "استهداف الشرطيين التركيين وتبني حزب العمال الكردستاني لهذه العملية ضد الجيش التركي وأجهزته الأمنية، وكذلك تفجيرات اسكندرون، ما هي إلا حلقة مهمة في إستراتيجية الحزب، يتم تحريكه بأيد خارجية، وهي تسير وفق أجندة خاصة بالمشروع القومي الكردي، في إطار عملية الشريط الكردي في المنطقة الجنوبية من تركيا لوضع خارطة جيو سياسية جديدة تربك الحكومة والشعب التركي، وتقوض مسار الثورة السورية ومقدمة لتفجير الوضع في جنوب شرق تركيا الذي يعاني أساسا من هشاشة أمنية".
وأوضح صالحة أن الاستهداف هو "قرار خارجي يتم من قبل جهات خارجية عبر أدوات داخلية، حيث تتبجح هذه الجهات دائما أن مصلحتها مرتبطة بمصلحة القوى الإقليمية والدولية، وهذا التنسيق يترجم على الأرض من الداخل التركي عبر إشعال المدن التركية أمنيا وسياسيا عبر مشروع قديم تعيشه المنطقة".
وأشار إلى أنه " لابد من وحدة الصف في الداخل التركي بين القوى السياسية، وبين العالمين العربي والإسلامي للتصدي لمثل هذه المشاريع، والقيام بتحرك سريع عبر تنسيق المواقف وطرح إستراتيجيات تمر عبر بوابة الحل السريع والحاسم".
داعش على الخط
يؤكد صالحة أن" تنظيم الدولة في إطار المشروع نفسه، يتلقى تعليمات وتوجيهات من الخارج، حيث تستخدم هذه الجهات الخارجية التنظيم ورقة ضغط ثانية ضد المواقف التركية، لذا يجب على الموقف التركي أن يأخذ أولا بعين الاعتبار ضرورة وحدة الصف على المستوى الوطني، وثانيا على المستوى العربي والإسلامي، فكلما أسرعنا في الرد كلما قطعنا الطريق على المشروع الداعشي وبدأنا صفحة جديدة بين شعوب ودول المنطقة، خاصة أن حجم المؤامرة يتفاعل ويزداد يوما بعد يوم".
البوابة الإيرانية
استغلال إيران للأحزاب الكردية المعارضة ومحاولة تقديم المال والسلاح، لخلخلة موازين القوى في تركيا، هذا ما أشار إليه المحلل السياسي السوري "محمد النعيمي" في تصريح لصحيفة "
عربي21" بقوله: "عمل الحزب الديمقراطي الكردي وتنظيم داعش وفق أجندة خاصة تُسير من قبل أجهزة المخابرات الإيرانية والأمريكية على حد سواء، فداعش تنشط على الحدود الجنوبية والأحزاب الكردية المعارضة تنشط في الجنوب الشرقي وعلى امتداد الحدود السورية، والدليل على ذلك التفجيرات الأخيرة في اسكندرون وتفجيرات هاتاي التي حدثت العام الماضي، ما يدل على وجود تحرك كبير من قبل الأحزاب المعارضة ضد حكومة العدالة والتنمية".
وأضاف "النعيمي" نلحظ في الموضوع السوري في الآونة الأخيرة انحسار التحرك العسكري للمعارضة السورية المسلحة، فلم نعد نسمع شيئا عن الانتصارات التي كان لها أصداء واسعة في الشهور الثلاثة الماضية، وإن دل هذا الأمر على شيء، فإنما يدل على وجود ملامح قد تؤدي إلى توافق إيراني تركي يحدث في الخفاء، هدفه منع إيران من تنشيط الأعمال المسلحة، ودعم الأحزاب الكردية المعارضة في تركيا، مقابل تخلي العدالة والتنمية عن دعم المعارضة المسلحة، وتسليم الملف السوري إلى إيران".
تقاطع المصالح
ويرى النعيمي أن "هناك تقاطع للمصالح الأمريكية والروسية تتم على الأرض التركية، من خلال إخضاع تركيا للشروط الأمريكية، بانضمامها للتحالف الدولي ضد داعش دون قيد أو شرط من قبل حكومة العدالة والتنمية، بينما في الجهة الثانية تحاول روسيا أن تجعل تركيا توقف الدعم عن المعارضة المسلحة في
سوريا، والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية، خاصة أن حزب العدالة والتنمية خسر الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية، وفوز الأحزاب المعارضة لها ومشاطرتها القرار السياسي".