"قتلوا ابني بدل أن يقتلوا أبا بكر
البغدادي، بالنسبة لهم الأمر بسيط لكن ابني ذو الثلاثة عشر ربيعا ذهب ولن يعود"، هكذا سرد موسى الرقاوي أحد المواطنين السوريين الذين دفعوا ثمنا غاليا لتلك
الحرب التي تغرق سورية في مستنقعها منذ أعوام، حكايته بالجملة لــ"
عربي21".
يحكي موسى تفاصيل ذلك اليوم منذ بدايته عندما استغربت زوجته سلوك ابنها حيث ارتدى أفضل ما لديه من ثياب وانطلق إلى عمله بمظهر يختلف عن مظهره اليومي المعتاد"، وبحدس الأم عرفت أن أمرا ما سيحدث، وأن الطفل يتصرف بغرابة وكأنه سيمر بحدث جديد في حياته، إلا أنها لم تتوقع أن يكون الحدث آخر ما ستشهده عينا ابنها محمد.
يقول موسى لــ"
عربي21": أشيعت أنباء عن إصابة أبو بكر البغدادي في العراق، وعن وصوله إلى أحد مستشفيات
الرقة الميدانية للعلاج، وانتشرت الأقاويل حول حقيقة ذلك الأمر، إلا أن وصول البغدادي إلى الرقة كان حينها الحدث الأهم وحديث الشارع، كما بدأت تتردد الشائعات عن وجوده في مشفى ميداني مخفي بالقرب من منطقة معمل "سينالكو" في الرقة، وتحدث الأهالي عن انتشار كثيف لعناصر
تنظيم الدولة الإسلامية هناك ما أعطى الخبر بعض المصداقية.
ويضيف موسى : "ابني محمد يعمل في أحد المحال المختصة بصناعة أغلفة قماشية لقطع الإسفنج التي تستخدم للجلوس أو للنوم لدى غالبية أهالي الرقة، واختار الطفل العمل بعد أن ساءت حالنا المادية، فوجد أن مهنة كهذه مناسبة له، ولم أعترض أنا على رغبته حينها نتيجة إلحاحه ونتيجة حاجتي المادية أيضا".
يعمل موسى سائق تكسي عمومي، ويحصل على رزقه من هذه المهنة، وبينما كان في طريقه لإيصال زبون إلى إحدى المناطق القريبة من مكان القصف، سمع صوت الانفجار واستدل من الدخان الناتج عن المكان الذي تم قصفه، ليتذكر أن ابنه محمد يعمل في المنطقة نفسها التي تصاعدت منها أعمدة الدخان، وتوجه بسرعة إلى المكان، وقبل وصوله التقى بأحد أقربائه الذي أخبره أن قصف قوات التحالف الدولي استهدف المنطقة التي يتواجد فيها ابنه بالتحديد.
يشرح موسى: "انطلقت بسرعة عالية بسيارتي إلى المكان حيث اجتمع الناس لإنقاذ المصابين والجرحى، وبدأت بالبحث عن محمد، لم أجد أثرا للطفل لكن شخصا ما أخبرني أن أربعة أطفال نقلوا إلى المستشفى الوطني لإسعافهم، فتوجهت إلى المستشفى باحثا عن ابني، ولم أجده بين المصابين، واستمررت بالبحث في كل الأماكن التي توقعت نقل المصابين إليها دون فائدة".
ويضيف: "بينما أبحث في المستشفيات أخبرني أحدهم أن ابني في المستشفى الوطني، ولحظة وصولي كان الطفل بين الحياة والموت، وعلمت من الأهالي الموجودين أن طاقم المستشفى اعتقدوا أن الطفل قد مات على الفور وتم وضعه في براد المستشفى لأكثر من ساعة، ولدى حضور الطبيب الشرعي للكشف عن الجثث اكتشف أن الطفل ما يزال حيا".
أدرك موسى أن ابنه سيموت بعد أن رأى إصاباته في مختلف أنحاء جسده، لاسيما إحداها التي كانت في الرأس حيث كسرت الشظية عظام الجمجمة، وبعد عدة عمليات جراحية أجريت للطفل واستغرقت يومين، استشهد محمد ليموت حلم كبير داخل الأب والأم وليظهر العجز الذي يعانيه السوريون أمام أدوات القتل المختلفة المصادر التي يتعرضون لقهرها.
يقول موسى: "أرادوا قتل البغدادي لكنهم قتلوا ابني، بل قتلوا أكثر من ثلاثين مدنياً في ذلك اليوم، وللحظة لم يؤكد أحد وجود المشفى الميداني المزعوم، ولا علاج البغدادي فيه، الحدث المؤكد أن طائرات التحالف قتلت ابني الوحيد الذي كنت أحلم أن يكبر أمام عيني".