كتاب عربي 21

اقتراح بتشكيل منظمة "ندرس"

1300x600
أكتب هذا المقال من لندن، التي وصلتها قبل نحو ثلاثة أسابيع، ووجدت نفسي خلال الفترة الماضية مضطرا لمتابعة الصحف البريطانية، ووجدت في هذا متعة شديدة: لا حوثي، لا سيسي، لا مالكي، ولا بغدادي، وإذا تعرضت تلك الصحف لقضايانا المزمنة، ففقط فيما يتعلق بالبريطانيين الذين ينضمون لتنظيم الدولة الاسلامية.

ولو كنت أعمل في صحيفة غير عربية، لنهجت نفس نهج الصحافة البريطانية: ما عنصر الخبر في مقتل كذا وعشرين جنديا عراقيا في موقع ما؟ ألم يكن هذا ما يحدث طوال ال 12 سنة الماضية؟ وعلام التساؤل مع الشاعر السوداني محمد الفيتوري: لماذا مشى قاتلا ثم عاد قتيلا؟ ما الجديد في موت كذا شخص في ريف حلب أو درعا بالبراميل المتفجرة؟ الخبر هو أن يتوقف بشار عن ممارسة الإبادة الجماعية لشعبه، ولو فعل ذلك فسيحمل الناس على التشكك في أنه من صلب حافظ الضبع!

أُمُ القضايا في أجهزة الإعلام الغربية، هي ورطة اليونان المالية، ورغم أن فهمي للأمور الاقتصادية "قاصر" إلى حد كبير، إلا أنني استنتجت من الطريقة التي فرضت بها دول الاتحاد الأوربي شروطا مذلة، لإقالة عثرة اليونان، إن الرأسمالية غير المقيدة بأي شرط، غول لا يرحم عدوا أو حبيبا، فاليونان جزء من الاتحاد الأوربي والعملة الأوربية الموحدة، وهو المشروع الذي يهدف لتوحيد الدول الأوربية في إطار دولة واحدة.

ولكن ساعة الزنقة اليونانية نسيت دول أوربا الكبرى (ألمانيا وفرنسا) حكاية الظفر الذي لا يطلع من اللحم، واشترطت أن تساعد اليونان مقابل قبولها الخضوع لـ"الوصاية"، وهكذا تشهد أوروبا معاهدة فرساي جديدة، تضع الضعيف تحت أقدام القوي، بشروط تجعله أكثر ضعفا، وما لم يقبل بذلك فالباب "
"يفوت جملا".

ولو كان يطاع لي أمر، لنصحت الحكومة اليونانية بقطع المفاوضات مع الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي، وإعلان الامتناع عن سداد الديون، بل المضي إلى أبعد من ذلك، بتشكيل "نادي الدول الرافضة للسداد"، وتُعرف اختصارا بـ"ندرس"، وقد رفضت الأرجنتين سداد ديونها الأجنبية في عامي 2002 و2014، وطلبت من الدائنين أن "يركبوا أعلى ما في خيولهم"، متعللة بأن الديون ربوية، وأن فوائد و"خدمة" تلك الديون أعلى من أصول الديون بأضعاف مضاعفة، وإزاء وقفة "الرجال" تلك (كانت في واقع الأمر وقفة "نساء" لأن من اتخذ قرار الامتناع عن سداد الديون كانت امرأة: الرئيسة كرستينا كريشنر)، فما كان من الدائنين إلا أن تخلوا عن صلفهم، وصاروا يتوسلون للأرجنتين: لا إشكال .. يمكن إعفائكم من نسبة قدرها كذا في المائة.. يفتح الله.. حسننا ادفعوا أصل الدين على عشر سنوات.. لن ندفع..  طيب على 30 سنة وسنعطيكم قروضا غير "شايلوكية" لتسيير اقتصادكم.

أذكر أن حكومة المارشال نميري في السودان، رفضت في ثمانينات القرن الماضي تمويلا من  البنك الدولي ب100 مليون دولار، لإعادة تأهيل السكك الحديدية، ولما استغرب الناس الرفض، شرح وزير المال أن 64 مليون من ذلك المبلغ، كانت ستعود إلى خزينة البنك الدولي "نظير خدمات استشارية".

بكل جدية: ماذا سيحدث لو شكلت الدول الغارقة في الديون ناديا، ورفضت مجتمعة سداد الديون؟ سيقول قائل إن تلك الدول ستحرم نفسها من تمويل مشاريع أساسية مستقبلية. ولكن هذا "كلام فاضي"، فمعظم الدول المدينة ظلت تعاني من البلل، وكما يقول المثل السوداني فإن على من ابتل أن "يعوم"، أي يمضي إلى آخر الشوط، وما سيحدث هو أن الدول الدائنة هي التي ستركع أمام المديونين وتتوسل، ليس فقط لاسترداد ولو جزء من أموالها، ولكن لأن المرابي يجد متعة في الإقراض، ولا يفقد الأمل في أن يتمكن في مرحلة ما، من لَي أذرع المدينين.

والشاهد، هو أن الدول الأوروبية ليس عندها – بالمصري - "يمّه ارحميني"، فها هي تفرض الوصاية على اليونان وتطالب الحكومة اليونانية بخفض الرواتب وزيادة الضرائب وأسعار السلع الضرورية، وهذه سانحة لو أحسن اليونان استغلالها، فسيعيد أمجاد قدماء الإغريق الذين علموا البشرية الفلسفة. أعني أن يعلموا الشعوب المقهورة التمرد على صندوق النقد وبنوك الغرب، لتضرب الأخيرة رأسها بالجدار أو تشرب من أعالي البحار.