ترى صحيفة "فايننشال تايمز" في افتتاحيتها أن
اتفاقية فيينا، التي حددت علاقة
إيران مع الدول الكبرى، فيما يتعلق بمشروعها
النووي، تعد تاريخية، ولكنها ليست تامة.
وتعتقد الصحيفة أن اتفاق فيينا يمثل اختراقا مهما في الدبلوماسية، فقد ظلت الولايات المتحدة وإيران، وعلى مدار عقد من الزمان، في حالة من العداء كادت أن تقود إلى حرب شاملة بينهما؛ بسبب الشكوك من قيام الجمهورية الإسلامية ببناء مشروع نووي سري.
وتشير الافتتاحية إلى أنه قد تم حل المشكلات بينهما، ليس عبر السلاح كما حدث وبشكل كارثي مع العراق عام 2003، ولكن من خلال المفاوضات الصعبة. مشيرة إلى أن هذا يعد إنجازا كبيرا للرئيسين الأمريكي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني.
وتجد الصحيفة أن اتفاق فيينا يظل غير مكتمل، فيجب أن تظل الولايات المتحدة واعية لمظاهر ضعفه. فالصفقة، تقول، تجمد نشاطات إيران النووية مدة عشرة أعوام، لكنها لا تتخلص كليا من التهديد النووي الإيراني، فهي تقوم فقط بإطالة الوقت الذي ستتمكن فيه إيران من بناء قنبلتها النووية.
وتلفت الافتتاحية إلى أن رفع العقوبات سيمد إيران بمليارات الدولارات التي تمكنها من توسيع قوتها في المنطقة. مبينة أن الدول المنافسة لإيران في المنطقة، خاصة
السعودية، سترد على هذا التوسع بزيادة عمليات التسلح، والبحث عن طرق لبناء مشاريع نووية خاصة بها.
وتعتقد الصحيفة أن البدائل عن الاتفاق هي الحرب أو عقوبات جديدة، فما تم التوصل إليه هو النتيجة الأفضل، وترى أنه في الوقت الذي يشهد فيه الشرق الأوسط اضطرابات، فما تم تحقيقه يرسل رسالة مهمة عن إمكانية أن تعقد دولتان يحكمهما عداء مستحكم اتفاقا، ولن ينجح هذا الاتفاق إلا إذا كان سليما من الناحية الفنية.
وتنوه الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، إلى أن من يدعمون الاتفاق يقولون إن إيران تنازلت وبشكل غير مسبوق عن التخصيب وأجهزة الطرد المركزي، ووافقت على نظام رقابة صارم، تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فيما يؤكد الشاكون فيه، وجود مظاهر القصور فيه، ويقولون إن نظام الرقابة الفضولي لن يوقف طموحات إيران لتحقيق برامجها النووية.
وترى الصحيفة أنه من المهم عدم فقدان الرؤية عن الإنجازات السياسية الأوسع، فمن أهم مظاهره هي إمكانية التقارب بين الولايات المتحدة وإيران، موضحة أنه لن يكون هناك تطبيع سريع في العلاقات؛ لأن نشاطات إيران في الشرق الأوسط ستمنع حدوث هذا الأمر.
وتستدرك الافتتاحية بأن الاتفاق هو أول إشارة تحدث منذ عام 1979، ويبدي فيها النظام الإيراني استعدادا للتحادث مع الولايات المتحدة بطريقة إيجابية. كما أن الصفقة قد تؤدي إلى تحول في دينامية السلطة داخل إيران. مؤكدة أنه لا توجد توقعات بتغيرات درامية، فالمرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي لم يعتنق فجأة الاعتدال. ولكن دخول إيران السوق العالمي قد يساعد في تعزيز موقع روحاني، لتبني سياسة أكثر براغماتية .
وتذهب الصحيفة إلى أن الاتفاق يمثل تحديا كبيرا للولايات المتحدة وللرئيس أوباما، الذي يحاول تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية في الأيام الأخيرة من حكمه. وقد حقق الكثير من الخطوات لإعادة تشكيل علاقات الولايات المتحدة مع أعدائها الثلاثة، مانيمار وكوبا وإيران.
وتفيد الافتتاحية بأنه "قد يسود اعتقاد أن المهمة قد انتهت، وسيكون هذا خطأ واضحا. فاتفاق فيينا يجب أن يسمح للولايات المتحدة للعودة من جديد إلى المنطقة، عبر تضمين الصفقة النووية في استراتيجية تقوم على احتواء طموحات إيران، وطمأنة السعودية وحلفائها في الخليج، ما سيؤدي إلى تخفيف التنافس السني الشيعي".
وتخلص "فايننشال تايمز"، إلى أنه "قبل أكثر من عقد اعتقدت إدارة بوش أنه يمكن تطبيق الديمقراطية في المنطقة بالقوة. وقادت الولايات المتحدة غزوا للعراق، وسرعت بدلا من ذلك بانهيار دولة وطنية، وقوّت إيران، ولهذا اختار أوباما وبحكمة طريقا مختلفا، ولهذا فإن الحكم على اتفاق فيينا يجب أن ينتظر مرور الوقت، ولكن هناك احتمالا أن يؤدي إلى وقف دوامة العنف المدمر".