رئيس الجمهورية التركي السابق عبد الله غول كان وما زال يختلف مع الحكومة التركية في السياسة الخارجية تجاه كثير من دول الشرق الأوسط، مثل مصر وسوريا، ولم يتردد في التعبير عن رأيه هذا في مناسبات مختلفة، كما أشار إليه مستشاره الإعلامي في الكتاب الذي أصدره قبل أسابيع وتحدث فيه عن ذكرياته مع غول.
مساء الأحد الماضي، التقى غول خلفه رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان في مأدبة إفطار نظمتها جمعية الصداقة التركية في مدينة إسطنبول، وجلس الرئيسان السابق والحالي على الطاولة نفسها وتحدثا لمدة صديقين حميمين، وفي كلمة ألقاها في مأدبة الإفطار وبحضور أردوغان، تحدث غول عن ضرورة إعادة النظر في سياسة
تركيا الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط.
وجاء في كلمة غول أن "تركيا عليها تحسين علاقاتها مع كافة دول منطقة الشرق الأوسط، فالقضية الفلسطينية ما زالت عالقة كما هي، وهناك العديد من الدول العربية تشهد صراعات داخلية كبيرة، ولكن تركيا لا تستطيع في ظل هذه الظروف تقديم المزيد من المساعدات لهذه الدول، ولذلك يجب على القيادة التركية إيجاد طرق جديدة لكيفية التعامل مع هذه الدول وتقديم المساعدات لها".
يقول الرئيس التركي السابق باختصار، إن تركيا يجب أن تحسن علاقاتها من جديد مع جميع دول المنطقة من خلال تغيير سياستها الخارجية، لتكون "نموذجا" كما كانت في السنوات السابقة، إلا أنه لا يعطي أي تفاصيل عن هذا التراجع والسياسة الخارجية التي يقترحها تجاه المنطقة.
ومن حق غول الزعيم السياسي ورئيس سابق ووزير خارجية الأسبق بل وحتى باعتباره مواطن عادي أن ينتقد سياسة تركيا الداخلية والخارجية، ولكن المطلوب منه أن يقدِّم أيضا بديلا واضحا للسياسة الخارجية الحالية، وأن يشير إلى الأخطاء مع شرح ما هو الصحيح، ومن حق المواطن أن يسأل غول ماذا يقصد بإعادة النظر وماذا يريد بالضبط؟.
الظروف الراهنة في المنطقة غير الظروف التي كانت تشتهر فيها تركيا بسياستها الخارجية المبنية على مبدأ "تصفير المشاكل مع الجيران"، ومياه كثيرة جرت تحت الجسور، واندلعت ثورات الربيع العربي وسقطت أنظمة وشهدت المنطقة ثورات مضادة، ولا يمكن أن يجهل غول هذه الحقيقة.
هناك أسئلة كثيرة بحاجة إلى الإجابة، وعلى سبيل المثال، ما هي السياسة الخارجية التي يريدها غول تجاه سوريا؟ وكيف ستكون إعادة النظر فيها؟ وهل يريد إغلاق الحدود وفتح السفارة التركية في دمشق من جديد وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري؟ وهل يقترح التخلي عن الوقوف إلى جانب الشعب السوري في ثورته المجيدة ضد الظلم والطغيان؟ لا ندري حتى اللحظة تفاصيل السياسة الخارجية التي يطالب بها غول تجاه سوريا، غير تصريحاته القديمة التي دعا فيها إلى العمل مع إيران وروسيا لإيجاد حل للأزمة السورية.
الرئيس التركي السابق يرى السياسة الخارجية التركية تجاه مصر أيضا خاطئة ويدعو إلى إعادة النظر فيها، وهناك أسئلة مشابهة تطرح نفسها، ولا بد أن يجيب عليها غول بوضوح حتى يعرف الرأي العام موقفه من الانقلاب العسكري. هل يريد أن تعترف تركيا بمشروعية الانقلاب العسكري باعتباره أمر واقع في ظل تسابق الدول الأوروبية لفرش السجاد الأحمر تحت أقدام السيسي؟ وما هو السبيل الذي يمكن أن ترمم به أنقرة علاقاتها مع القاهرة؟ وماذا عن المبادئ الديمقراطية والحريات التي يبدي غول حرصه الشديد عليها؟ وهل يعتقد أن بإمكان تركيا أن تلعب دورا ما في تحقيق مصالحة في مصر إن قامت بإعادة النظر في موقفها من الانقلاب العسكري؟.
عبد الله غول يتحدث عن العودة إلى "النموذج" الذي قدمته تركيا قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، ولكن أحد أسباب تدهور علاقات تركيا مع بعض الدول العربية خلال السنوات الأخيرة استياء تلك الدول من النموذج الديمقراطي الناجح الذي قدمته تركيا.
وبالتالي، يجب أن يشرح غول كيف يمكن أن تقدم تركيا نموذجا ديمقراطيا ناجحا وفي الوقت نفسه تحسن علاقاتها مع الدول التي تسعى جاهدة لضرب ذلك النموذج وتشويه سمعته بشتى السبل؟
ومن الواضح أن غول يريد العودة إلى المعترك السياسي ولكنه يتحين الوقت المناسب، إلا أن ذلك الوقت قد يتأخر مجيئه وقد لا يأتي أبدا.
وبغض النظر عن الوقت المناسب لعودته، فإن عبد الله غول يجب أن يكون أكثر وضوحا إن كان يريد أن يقدم نفسه بديلا، لأن ما يقوله بشأن إعادة النظر في السياسة الخارجية تجاه المنطقة لا يمكن تقييمه قبل معرفة تفاصيله.