أرجع خبراء وباحثون في شؤون الجماعات الجهادية نجاح تنظيم الدولة في استقطاب مقاتلين وأنصار جدد، إلى قدرة التنظيم على تجسيد "حلم الخلافة" إلى واقع، وتفننه الدائم في العزف على أوتار ذاك الحلم.
يضاف إلى ذلك حالة انسداد الأفق السياسي في كثير من دول العالم الإسلامي، التي غالبا ما تصب في صالح التنظيمات القتالية، وتساهم بشكل كبير في تهيئة المناخات الملائمة لظهور تلك التنظيمات الحاملة لأيدلوجية السلفية الجهادية، وفي مقدمتها "الدولة الإسلامية".
ووفقا للباحث المصري في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد سالم فإن السببين السابقين من أهم أسباب نجاح تنظيم الدولة في استقطاب أعداد كبيرة من المقاتلين والأنصار، مشيرا إلى أن التنظيم من أنجح التنظيمات القتالية في استخدام الوسائل والآليات الحديثة، خاصة الآلة الإعلامية منها.
وأشار سالم في حديثه لـ"عربي21" إلى أن حالة الانسداد السياسي ازدادت انسدادا في السنوات الخمس الأخيرة، موضحا أن ثورات الربيع العربي أنعشت الآمال بإمكانية انفراج الأوضاع السياسية، لكن سرعان ما تبددت تلك الآمال أمام ضربات الثورة المضادة الشرسة.
لا توجد أرقام وإحصائيات دقيقة لأعداد المقاتلين والمناصرين الذين يتدفقون على تنظيم الدولة الإسلامية، وما يتم تداوله هو تقديرات لجهات استخباراتيه ومراكز بحوث راصدة ومتابعة لشؤون تلك التنظيمات.
ففي تقرير صادر في كانون الثاني/ يناير الماضي عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي التابع لكلية كينغز في لندن، قُدرت أعداد المقاتلين الأجانب الذين يتدفقون على سوريا والعراق بعشرين ألف مقاتل، معظمهم يفضلون الالتحاق بتنظيم الدولة.
"الدولة".. تنظيم تمرد على أوضاع سياسية بائسة
في السياق ذاته، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، الدكتور شفيق ناظم الغبرا، أن القدرة على تحليل أسباب نجاح تنظيم الدولة في استقطاب مقاتلين وأنصار جدد، يتطلب التعمق في دراسة الظاهرة لرؤية جملة العوامل المنشئة لها.
ووفقا للدكتور الغبرا، فإنه يمكن النظر للتنظيم باعتباره في أحد جوانبه حركة تمرد قامت لمواجهة نظام الحكم الجديد في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية لصالح أنظمة حكم محلية.
وأضاف الغبرا في حديثه لـ"عربي21"، أنه نظرا لضيق مساحات التغيير ومحدودية هوامش المشاركة السياسية الحقيقية المتاحة لمختلف مكونات الشعب العراقي، وشعور أهل السنة بالتهميش من قبل النظام السياسي الجديد، فقد تهيأت الظروف لظهور تنظيم الدولة بشكل فاعل ومؤثر في الساحة العراقية.
ومن جانب آخر، فإن قدرة تنظيم الدولة على الاستمرار في حمل لواء السلفية الجهادية، بكل أفكارها وشعاراتها الجاذبة، مكنت التنظيم من استقطاب أعداد كبيرة من الأنصار الذين رأوا فيه تجسيدا عمليا وواقعيا لتلك الأفكار، بحسب أستاذ العلوم السياسية شفيق الغبرا.
من جانبه أرجع أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية الأردنية، الدكتور جمال الشلبي نجاح تنظيم الدولة الإسلامية في استقطاب مقاتلين جدد إلى اعتماده على فكرة مركزية راسخة في العقل العربي الإسلامي، ففكرة الخلافة بكل وهجها وتاريخيتها أسعفت التنظيم في دعايته لجذب المقاتلين واستقطابهم.
يُضاف إلى ذلك طبقا للشلبي فشل الأنظمة السياسية العربية في إدارة مجتمعاتها وشعوبها، ما أفسح المجال لتمدد التنظيمات الجهادية القتالية، وفي مقدمتها تنظيم الدولة.
وجوابا عن سؤال "عربي21" حول قدرة التنظيم على استقطاب مقاتلين من أوروبا، فقد أوضح الشلبي أن كثيرا من الشباب المسلمين المقيمين في أوروبا، من الذين انضموا إلى التنظيم إنما كانوا يعبرون عن سخطهم على الغرب الاستعماري الذي عاشوا فيه، ورغبتهم في الانتقام منه.
استراتيجية التنظيم في الاستقطاب وسر نجاحه
بدوره، رأى الباحث المتخصص في الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية، أن تنظيم الدولة يصدر عن استراتيجية واضحة المعالم في استقطابه لمقاتلين وأنصار جدد.
فالتنظيم طبقا لأبو هنية يرتكز على استراتيجية إعلامية ذات أهداف محددة، تستثمر نجاحاته في السيطرة المكانية الواسعة في العراق وسوريا، فالنجاح على الأرض يؤهله لجذب الأنصار واستقطابهم.
كما أن التنظيم نجح في تقديم نفسه كممثل "للهوية السنية في مقابل الهوية الشيعية"، فالصراع صراع هوياتي بامتياز، وليس لأهل السنة جهة تمثلهم وتحميهم إلا التنظيم في مواجهة الدموية الشيعية، بحسب أبو هنية.
وأضاف أبو هنية أن "تنظيم الدولة قدم نفسه في استراتيجيته الاستقطابية الجاذبة، كعدو للإمبريالية والغرب والاستعمار، بمعنى أنه يعلن بصراحة تصديه لكل هؤلاء الأعداء التاريخيين للمسلمين".
ويرى أبو هنية أن "العنصر الأكثر فاعلية وتأثيرا في استراتيجية التنظيم يكمن في تقديمه نفسه بصفته ممثلا للخلافة المفقودة، استطاع نقلها من عالم الأمنيات إلى حيز الواقع العملي، يُطبق فيها أحكام الشريعة في مناطق خلافته، ويخوض معارك ضد الصحوات والمرتدين".
وفي رده على سؤال "عربي21" حول سر نجاح التنظيم في استقطابه لأعداد كبيرة من المقاتلين، أرجع أبو هنية الأمر إلى ما حققه التنظيم من تمدد حقيقي على أرض الواقع، "فالتنظيم يسيطر سيطرة تامة على مساحات واسعة وشاسعة من الأراضي العراقية والسورية، وله عليها سلطة نافذة".
يُضاف إلى ذلك أن التنظيم تجلى في أوساط أتباعه وأنصاره بصفته الأوفى لأصول الدعوة السلفية ومقولاتها، وأنه الأصدق في تطبيق الأحكام الشرعية وفق ما هو مقرر في دواوين أهل السنة، ومراجعهم في السياسة الشرعية، وأنه فضح كثيرا من الحركات والجماعات (السلفية) التي تلتقي معه في الأصول الشرعية النظرية، لكنها عارضته وخالفته في تطبيقاته العملية.
وبحسب أبو هنية، فقد تساءل أحد أنصار "
تنظيم الدولة": "لماذا يعارض كثير من علماء السلفية وشيوخها وغيرهم من العلماء "خلافة البغدادي" وهي التي حققت حلم الخلافة وجسدته واقعيا؟ لماذا يضيقون ذرعا بتغلب البغدادي وولاية المتغلب منصوص على شرعيتها في "الأحكام السلطانية"؟"
ويتابع ابو هنية، يعتقد أنصار التنظيم أنه لم يرتكب أخطاء شرعية، فهم يتساءلون ردا على منتقديهم بالقول: "ما الخطأ الذي ارتكبته (الدولة الإسلامية) في تطبيقها للأحكام الشرعية كأخذ الجزية من النصارى، وتطبيق الحدود الشرعية المختلفة، وغيرها من الأحكام الأخرى، وكلها أحكام شرعية مقررة بأدلة ثابتة في الفقه الإسلامي؟".
إن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية شكل علامة فارقة في مسيرة الحركات والجماعات الإسلامية عموما، والجهادية منها بوجه خاص، فالتنظيم يستند إلى قراءة شرعية يعتبرها أتباعه ومناصروه هي الأشد محافظة على الإسلام وأصوله وشعائره وشرائعه، وهو ما يؤهله لاستقطاب المزيد من المؤيدين والمناصرين، في الوقت الذي تشتد فيه معارضة شيوخ وجماعات إسلامية له، ترى فيه انبعاث روح الخوارج وفكرهم من جديد.