فجر الفقيه الدستوري المصري، أحمد كمال أبو المجد، مفاجأة مدوية، عندما وصف في حوار مع صحيفة مصرية، الأربعاء، رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي بأنه "أصبح مخيفا"، وقال عن حكمه: "نعيش في ظل حكم عسكري يتدثر بغطاء مدني، والوضع يتحول إلى ما هو أكثر حدة، وإهدارا للشرعية".
وتابع: "هذه مرحلة السيسي ونظامه أيضا، لأننى مواطن لا أريد من نظامه سوى حمايتي، والعيش بأمان واستقرار، و"إلا أقوله: امش، وأجيب واحد مكانك".
وخاطب السيسي بقوله: "طالما قبلت أن تكون حاكما ورينا شطارتك"، مؤكدا أن أوضاع حقوق الإنسان داخل السجون تؤكد أن الحالة "زفت".
وشغل أبو المجد منصب وزير الإعلام ووزير الشباب في السبعينيات، وهو أحد أبرز الداعمين لـ 30 يونيو، وما تلاها من انقلاب شمل إعلان "خارطة الطريق"، كما حاول التوسط لإجراء مصالحة بين الانقلاب والإخوان.
مقتل النائب العام فضح النظام
وفي حواره مع صحيفة "التحرير"، الأربعاء، وصف أبو المجد المشهد الحالي بأنه مرتبك، قائلا: "الدليل على هذا الارتباك اغتيال النائب العام في وضح النهار، وأمام الجميع، وتساءل: كيف يقتل النائب العام بهذه السهولة دون أن يتم القبض على واحد من مرتكبى الجريمة؟ وإذا كان هذا قد حدث للنائب العام، فما بالنا بالمواطن البسيط، ولسان حاله: "مين يحميني إذا كان النائب العام مات دون أن يقبض على متهم؟".
وأضاف: "ما حدث من عمليات إرهابية مؤخرا في سيناء، وأدى إلى استشهاد عدد من جنودنا أمر كان متوقعا، لأن الخلق المصري الجديد منحط وسافل، وأتساءل: كيف تريد أن يدعمك الرأي العام في سيناء في الوقت الذي قام فيه النظام بتخويفه وتقييده؟، فسيادة القانون تجلب سيادة القانون، وإهدار سيادته تعنى غيابه".
وتابع: "الخلل والتقصير هنا يقع على عاتق أجهزة الحكم، وهذه مرحلة السيسي ونظامه أيضا، وهو لن يفعل كل شىء بيديه، والتساؤل الحقيقي الذي يطرح نفسه: أين البناء وتحليل توزيع السلطات؟ لأنني مواطن لا أريد من نظامي سوى حمايتى والعيش بأمان واستقرار، وإلا سأقوله إمش، وأجيب واحد مكانك".
وأضاف: "أقولها صراحة: طالما قبلت أن تكون حاكما ورينا شطارتك، وأؤكد أن الفترة الحالية صعبة للغاية، والدولة مقتربة من طوب الأرض، لكن أمام هذا لابد أن نرى الكفاءة، ولكن أن يقتل النائب العام في وضح النهار، ويفلت المرتكبون بجريمتهم دون أن يقبض عليهم، فهذا خلل، وتقصير كبير تتحمله أجهزة الحكم".
نعيش في ظل حكم عسكري
وفي حواره تابع أبو المجد: "قناعتي الكاملة، وما أراه، يؤكد أننا نعيش في ظل حكم عسكري، يتدثر بغطاء مدني، وليس العكس، والشخص العسكري إذا رأى شيئا يقول له (كن فيكون)، ونزع هذه العقيدة صعب للغاية، خصوصا إذا كان وطنيا، ويريد الخير، أما إذا وقف أمامه، وفي سكته أي شيء فله الويل، وهذه العقيدة راسخة لدى العسكريين، لأنهم يتصورون أنهم يملكون كل شيء، خلاف المدنيين، وهناك بيت شعر يلخص ما أقوله: "تلوا باطلا وجلوا صارما.. وقالوا: صدقنا فقلتم: نعم".
وتابع: "الخطر الأكبر في أي حكم عسكري أنه يحكم بالسيف، وأعتقد أن مظاهر الفشل في الدولة أصبحت تظهر بين الحين والآخر، فالوضع لا يتحسن إنما يتحول إلى ما هو أكثر حدة، وإهدارا للشرعية بصورة كبيرة، وأعتقد أن المعضلة الحقيقية الحالية، أن هناك حالة خوف انتابت حزام الأمان، وهم المثقفون، وإذا خافوا فلن يقولوا ما يريدون".
وسجل أبو المجد: "من واقع مشاهداتي، أرى أن الجيش له ميزة وعيب، فالميزة أن الجيش يده طايلة، وبالتالي التزامه بالشرعية ليس دقيقا، ولا بأس ما دام أنها تخدمه، ولكن العيب أنه إذا تعارضت الشرعية مع مبدأ سيادة القانون يقول (يفتح الله وهو أنا هاسيب البلد تغرق)، ويبدأ الجيش بإعطاء تبرير لكل إجراء قمعي يقوم به، ولا توجد ضمانة حقيقية أن هذا الإجراء القمعي يصيب الخصوم الحقيقيين".
تجاوزات في محاكمات الإخوان
قال أبو المجد: "بالفعل، أرى أن هناك تجاوزات عديدة يشهدها هذا الملف، وأدلل على ذلك بعدم إعطاء المتهمين حق الدفاع الكافي، وكذلك التدليس أحيانا، والإتيان بشهود غير صادقين".
وتابع: "أحكام الإعدام التي يتم إصدارها ضد أعداد كبيرة من جماعة الإخوان كثرتها بهذه الهيئة أمر يستوقف النظر، ويهز الحاسة القانونية، لأن أعداد المحكوم عليهم من الإخوان كثيرة، وهذا غير معقول، ولا بد أن يكون هناك كياسة في السياسة".
وشدد على أن بعض أحكام الإعدام الصادرة ضد أعضاء جماعة الإخوان مسيسة، بنسبة 100%، وأقولها صراحة: كان يكفي أن يتم عزل مرسي ومبارك دون محاكمتهما، وفورا، فما دامت قامت ثورة يجب عزله حتى لا أمنحه فرصة أن يقتل أو يخرب مرة أخرى، فمصر لا تعرف القانون، نحن لسنا دولة قانون.
السيسي يتدخل في القضاء
واعتبر الفقيه الدستوري أن مطالبة السيسي في خطابه الأخير أثناء جنازة النائب العام بتطبيق العدالة الناجزة وتعديل قانون الإجراءات الجنائية، "تدخلا بشكل غير مباشر في عمل السلطة القضائية، وليس في سلطانه أن يفعل هذا، وأعتقد أن الرئيس السيسي فوجئ أن القدرة على المنع ضعيفة للغاية، لدرجة أنه في جوف النهار يقتل النائب العام أمام مرأى ومسمع الجميع، ويذهب في شربة مية".
وأضاف: "المسار الطبيعي في تعديل قانون الإجراءات الجنائية يتم عبر مجلس النواب المقبل، الذي من المزمع أن ينعقد بعد شهور، حيث سيعرض عليه مشروعات القوانين، وهو يوافق على ما يشاء، وأرى أن القانون كاف، لكن التعديلات المطلوبة عليه من الممكن أن تتضمن أنه إذا كان هناك مدد أطول في التقاضي فيتطلب تقصيرها، وكذلك زيادة عدد القضاة، ووضع الضمانات الكافية في القانون الجنائي، فمن حقي أن أطمئن لمحاكمتي وضمانات الإجراءات المتخذة، كما أن هناك أمورا غير مألوفة أشعر بها، وهى أن هيئة المحكمة في القضايا السياسية أجدها بأكملها مُجمعة على شيء ما ضد المتهم قبل محاكمته.
الصراع والمصالحة
وحذر من أن الصراع الحالي (بين النظام والإخوان) سيأخذنا إلى منطقة (مش كويسة)، لأن النظام دول الصراع، وأشرك كل العالم فيه، فأصبح هناك علاقات جديدة بين الرئاسة في مصر والدول الأخرى، منها علاقات مودة، ومنها علاقات اختلاف، ومنها تقليل للخلافات، وأي شخص سيخشى أن يتكلم اليوم خوفا من أن يتم التنكيل به.
وأشار إلى أن الزمن لم يتجاوز فكرة المصالحة، وقال: "ما زلت متمسكا بالمصالحة، ولأبعد درجة ممكنة، ولكن بشروط مختلفة، وأبرزها أن لا يكون هناك عفو عن جريمة دم، بما يعنى أن من يرتكب جريمة دم يجب أن يحاسب، لأني لا يوجد من أعطاني الحق من أهل المجني عليه أن أتصالح باسمه، وكذلك وضع شروط واضحة للاشتغال بالعمل السياسي، وتكوين الأحزاب لا يكون فيها دعوة للعنف أو القتل".
وعن الحل، قال: "نقطة البدء هي أصعب نقطة والحل إيجاد مجموعة من الأشخاص غير محسوبين على أي طرف، ولهم ولاء لوطنهم، ولهم قدر كبير من المعرفة، وليكونوا 15 شخصا من أجل الخروج بمعادلة سلمية يمكن من خلالها تقليل حجم الخسائر والخروج من هذه الأحداث، بحيث يتم وضع شروط تجعل عددا أكبر من الإخوان يتفاهم، والحكومة توافق، وهذه مهمة محفوفة بالمخاطر.
المعتقلين في حالة "زفت"
وبالنسبة لملف الحريات، قال أبو المجد: "للأسف، هذا الملف يشهد انتهاكات عديدة، وأؤكد أنه لا يوجد شيء في أي دولة يستحق أن يتم الاستغناء عن سيادة القانون والحريات، ولدي معلومات مؤكدة استطعت الحصول عليها عن أوضاع حقوق الإنسان داخل السجون تؤكد أن الحالة (زفت)، وأقولها صراحة أي مقبوض عليه اليوم (يجب أن نودعه)، لأنه سيتعرض لكل شيء، والوضع داخل السجون
مخيف للغاية، وأكرر: إذا ضاعت حقوق الإنسان، وسيادة القانون فقل على الدنيا السلام".
ولم يستبعد أن موقف وزير الأوقاف من شيخ الأزهر، نتيجة أم أنه يريد أن يتقرب بشدة إلى السيسي، وأنه كانت هناك نية للإطاحة بشيخ الأزهر من منصبه. وقال: "أرى أن السلفيين ليس لهم مستقبل على الإطلاق".
وحول أداء السيسي خلال عام من حكمه، قال: "لديه رغبة شديدة واستعجال في الإصلاح، ولكن الإصلاح معه يتم من خلال شخصه، فهو استطاع أن يبني توجهات سليمة، ولكن جميعها تمر بشخصيته، فإذا غضب فيصبح الغضب قانونا، وإذا تصالح فيصبح التصالح قانونا، ولكننا نريد أن تكون السيادة للقاعدة القانونية، وليس لمن ينفذها، والرئيس كان سمحا في البداية، ولكن حين تأزمت الأمور لم يعد سمحا، ولكن أصبح مخيفا، لأن الوضع متأزم بالفعل".