كتب عبد الوهاب بدرخان: يستطيع العماد
ميشال عون أن يقول ما يشاء دفاعا عن "حقوق المسيحيين"، أما أن يثبت أن هناك حال اضطهاد وافتئات وتجاوز إزاء تلك الحقوق، فهذه مسألة أخرى.
ويستطيع دعوة أنصاره إلى الشارع للضغط، لكن على مَن؟ إذا كان المقصود مجلس الوزراء أو رئيسه، فالجميع يعلم أن ظروف الانقسام في البلد وضرورات الحفاظ على الدولة دفعت إلى تفسير شبه قبلي لما تسمّى "الميثاقية"، وجعلت من كل وزير رئيسا بالوكالة عن رئيس غير موجود لتعذّر انتخابه من جانب "القبائل".
علما بأن القبائل والعشائر الحقيقية يمكن أن تكون أكثر تصالحا، وغالبا ما تُبقي خطا للرجعة أو فسحة للتوافق. فمجلس الوزراء يحمل في اسمه البعد
التعددي ويفترض الحلول التوافقية، أما رئيسه فبات حارسا للهيكل لمصلحة الجميع بمن فيهم "التيار العوني"، ومن شأنه أن يمنع أيا كان من التعرّض للمؤسسة أو انتهاك صلاحياتها أو منعها من العمل.
ثمة لعب على النعرة الشعبوية والعصبوية في سعي عون إلى تحريك الشارع، وكأنه يقول: يا مسيحيون، المسلمون يريدون أكل حقوقكم.. هل هذا هو واقع الحال فعلا، م أنه مجرد إمعان في التضليل؟
لا داعي للحديث عن التداعيات، فمن أعمته طموحاته (الشخصية لا الوطنية) لم يفكّر فيها سابقا ليفكّر فيها لاحقا، وهو أثبت، مرحلة بعد مرحلة، أنه مصممٌ على استعداء مسلمين ضد مسلمين في
لبنان. غير أن الأحقاد (الشخصية والسياسية) حالت وتحول دون اعترافه بالواقع، فما يطالب به، سواء كان ترئيسه على الجمهورية أو تعيين صهره قائداً للجيش، لا يحظى بتوافق مسيحي ليلزم المسلمين عندئذ بالموافقة عليه.
المسألة هنا دستورية - "ميثاقية"، بمقدار ما هي سياسية، ولكلّ أن يتبنّى الموقف الذي يناسبه في إطار الدستور، وحين تتعارض المواقف سياسيا يكون التوافق حاسما.
هذا هو جوهر النظام، وإذ وجد الجنرال أنه لا يحقق رغباته راح يطالب بتعديل نظام الانتخاب وهو مشارك في تعطيل التشريع، أو بـ"مؤتمر تأسيسي" لدولة يعتبر أنها لم توجد سابقا، أو بتعديل اتفاق الطائف، أو بـ"الفيديرالية" (اللقب الفني لـ"التقسيم").
أي أنه يريد أي شيء لقطع الطريق على انتخاب أي رئيس غيره. والأدهى أنه يريد كل ذلك الآن، أو بالأحرى أمس، وإلا فإنه يريد "إسقاط النظام".. سبق لعون أن تبرّع بآراء سلبية في حراكات "الربيع العربي" لإسقاط الأنظمة، لكنه خصّصها لتوبيخ الشعب السوري على سعيه إلى إسقاط بشار الأسد.
معروفٌ أن للجنرال شارعا يأتمر بانفعالاته، لكن ماذا بعد التحرك؟ إسقاط النظام خيار "شمشموني" يعني تخريب البلد على رؤوس المسيحيين والمسلمين. والصمت المريب لـ"حزب الله" يعني أنه مستفيد من مغامرات عون، فهي جزءٌ من أجندته.
(عن صحيفة النهار اللبنانية 8 تموز/ يوليو 2015)