رأى ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، سونر چاغاپتاي أن أي عملية عسكرية في
سوريا قد تثير العديد من التحديات الأمنية والسياسية للحكومة التركية على المدى الطويل.
وقال چاغاپتاي في تقرير كتبه على الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن للدراسات: " ستتحوّل
تركيا في نهاية الأمر إلى محتلّ في نظر الشعب السوري، بما في ذلك القوات ذاتها التي تنوي أنقرة دعمها، وفي النهاية، قد تضطر تركيا إلى الاختيار بين التزام مُكلّف طويل الأمد للدفاع عن منطقة عسكرية بين جرابلس وأعزاز وبين الانسحاب من المنطقة، وبالتالي الاعتراف بالهزيمة".
فقد ذكر مؤلف كتاب "صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين"، إلى أن التقارير الإعلامية الأخيرة تشير إلى احتمال استعداد تركيا للقيام بتوغل عسكري داخل سوريا، وعلى وجه التحديد، ربما تسعى القوات التركية إلى الاستيلاء على أراضي تمتد مسافة 55 ميلا من أعزاز في الغرب إلى جرابلس في الشرق، وإقامة حاجز وقائي قد يصل عمقه إلى 20 ميلا لمنع تسرب العنف من البلد المجاور، وإقامة نقطة انطلاق للثوار السوريين الموالين لتركيا".
وتابع چاغاپتاي أنه "في تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، حصلت حكومة حزب العدالة والتنمية، على تصريح من البرلمان لنشر قوات في سوريا أو العراق إذا لزم الأمر، وفي 2 تموز/ يوليو، أعلن حزب الحركة القومية المعارض الذي يجري محادثات حول تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية عن دعمه لمثل هذه العملية".
ولكن الباحث رأى أنه "مع ذلك، ثمة اعتبارات داخلية تركية أخرى تعارض شن مثل هذه العملية، التي تواجه أيضا عقبات محتملة، من بينها تردد الجيش، والافتقار للدعم الشعبي، ووجود معارضة من قبل حزب الشعب الجمهوري وحزب ديمقراطية الشعوب، وتثير هذه العوامل تساؤلات بشأن ما يمكن أن تكتسبه أنقرة أو تخسره من اتخاذ إجراءات في سوريا.
وبين أنه "حتى وقت قريب، كانت هناك مجموعة كبيرة من الجهات الفاعلة تسيطر على الجانب السوري من الحدود التركية على طول 510 ميلا، بما فيها «حزب الاتحاد الديمقراطي» الموالي للأكراد، ويرتبط «حزب الاتحاد الديمقراطي» بـ «حزب العمال الكردستاني»، الذي خاضت تركيا معارك ضده دامت عقود إلى أن دخلت معه في محادثات سلام عام 2012".
وواصل چاغاپتاي بقوله "لن يؤدي أيّ جهد عسكري تركي لمنع تقدّم «حزب الاتحاد الديمقراطي» سوى إلى تفاقم تأثير كوباني، فقد يفقد «حزب العدالة والتنمية» الدعم الكردي بأكمله، أو أسوأ من ذلك، قد يقرّر
الأكراد الانفصال عن أنقرة تماما".
وفي النظر إلى المكاسب من عملية تركية داخل سوريا، أشار الباحث إلى أنه "في الأشهر الأخيرة، قامت تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية بتجميع مواردها لتوفير المزيد من الأسلحة لقوات المعارضة في شمال سوريا. وقد أتاح ذلك سيطرة «جيش الفتح»/«جبهة النصرة» على إدلب - أول عاصمة محافظة يستولي عليها هذا التحالف. وقد توفر منطقة عسكرية تركية في سوريا -التي قد تمتد إلى ضواحي حلب، كبرى المدن السورية قبل الحرب- نقطة انطلاق لهذا التحالف لتهديد حلب وربما تجاوزها، ما يعزز هدف «حزب العدالة والتنمية» في الإطاحة بنظام الأسد".
واعتبر چاغاپتاي أن "التدخّل في سوريا قد يساعد تركيا أيضا على تخفيف مشكلة اللاجئين المتزايدة عن كاهلها، حيث تستضيف البلاد ما يقرب من مليونيْ لاجئ سوري، وهذا أكبر عدد من اللاجئين في أي بلد في العالم".
في حين رأى الباحث أن أي توغل تركي في سوريا لمساعدة الثوار "سيشكّل دعوة لإغضاب نظام الأسد المعروف بصلاته بالجماعات الإرهابية الماركسية داخل تركيا، فمثل هذه الخطوة ستؤدي أيضا إلى استياء الراعي الرئيسي الدولي لبشار الأسد (موسكو) وراعيه الإقليمي (طهران)".
وتابع أن "لروسيا وإيران صلات تاريخية بـ «حزب العمال الكردستاني»، ويمكنهما دعمه في زعزعة استقرار أي منطقة عسكرية تركية داخل سوريا. كما بإمكان روسيا أن تدفع أيضا باتجاه اتخاذ قرارات مناهضة لتركيا في الأمم المتحدة، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة قد تمنع مثل هذه الجهود".
وأخيرا كما قال الباحث چاغاپتاي: "يمكن أن تستخدم روسيا بطاقة الطاقة التي تملكها ضدّ أنقرة، فتركيا تشتري أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي والنفط من روسيا، وسيؤدي أيّ خفض في هذه الإمدادات إلى إلحاق الضرر في اقتصاد البلاد بصورة شديدة".
وفي الخسائر المتوقعة لأنقرة في حال شنت عملية عسكرية في سوريا، "الدفع بتنظيم الدولة إلى الاستياء جراء ما يمكن فعله من شحذ قوة عناصر الثوار المناهضة له، ما سيدفع بالتنظيم لا محالة إلى الشعور بالاستياء من أنقرة، وعلى المدى الطويل، قد تواجه تركيا تهديدا خطيرا من تنظيم الدولة".
وختم مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، سونر چاغاپتاي تقريره حول الفوائد والخسائر التي ستجنيها تركيا في حال توغلت في سوريا عبر عملية عسكرية لدعم الثوار الموالين لها : "إن دعم واشنطن لعملية توغل عسكرية واسعة النطاق تشمل القوات البرية هي أقل احتمالا، وبسبب كون تركيا عضوا في حلف الشمال الأطلسي، فإن مثل هذه العملية قد تهدّد بجرّ الولايات المتحدة إلى أتون الحرب في سوريا، وفي المقابل، لن تعارض واشنطن شن عملية أصغر حجما، تكون محدودة بالقصف في عمق الأراضي السورية لإيجاد ملاذ آمن لجماعات الثوار، لا سيما أنها قد تقطع خطوط إمدادات تنظيم «
داعش»، وتُخرج التنظيم من بعض المناطق".