بدأت الأصوات تتعالى من المصدر ذاته: الغرب والأمم المتحدة، دعوات متتالية من واشنطن ونيويورك وبروكسل، كلها تطالب بهدنة في
اليمن لأغراض إنسانية يمكن أيضا أن تكون مستدامة، في نفاق مفضوح وتواطؤ لا يمكن القبول به مع الإجرام الذي ترتكبه عصابات المخلوع صالح والحوثي ضد اليمنيين.
حينما يتحدث الغرب عن الهدنة فهو لا يقصد سوى وقف تحليق طيران التحالف العربي فوق اليمن، رغم يقينه أن طيران التحالف هو الظاهرة الإيجابية الوحيدة في الحرب العبثية التي تعصف باليمن منذ أن أعلن المخلوع صالح بالتحالف مع مليشيا طائفية مدعومة من إيران، حربا مفتوحة على اليمنيين بهدف استعادة السلطة والاستئثار بالنفوذ والإطاحة بأسس التسوية السياسية والإجماع الوطني.
خلال مائة يوم من الحرب، ارتكبت المليشيات انتهاكات جسيمة وجرائم حرب حقيقية في أكثر من محافظة يمنية، كان آخرها المجازر التي ارتكبتها المليشيا الطائفية في مدينة المنصورة بمدينة عدن، وقصف ميناء الزيت بعدن أيضا.
المليشيا ذاتها تقتل المدنيين بشكل متعمد وتقصف بشكل عشوائي المساكن في تعز وعدن والضالع ومأرب وشبوة وأبين، والبيضاء، وتفرض حصارا مشددا على هذه المدن، وتعرقل وصول المساعدات الإنسانية إليها، وتقوم بتحويل معظم المساعدات إلى موانئ تخضع لسيطرتها في غرب البلاد.
وقد رأينا كيف قامت هذه المليشيا باستغلال الهدنة الأولى في هذه الحرب، في تنفيذ جرائم بشعة ضد المدنيين في أكثر من مدينة، وفي توسيع انتشارها وفي نقل تعزيزات إضافية إلى جبهات القتال، وفي مصادرة المساعدات الإنسانية كذلك.
هذه الجرائم لم تلق حتى الآن أية إدانة من جانب الأمم المتحدة ووكالاتها، ولا من الغرب المتحضر، الذي ما يفتأ يبحث عن مخارج مشرِّفة للمليشيا الإجرامية، محكوما بهاجس مرضي من إرهاب القاعدة الذي بات واضحا أنه يُدار ويجري توظيفه بشكل سافر من قبل المخلوع صالح الحليف الأوثق للمليشيا الطائفية وشريكها في الحرب على اليمنيين.
يدهشني أيضا هذا التورط المفضوح للوكالات الأممية في مهمة إسناد المليشيا الطائفية وحليفها المخلوع صالح والتغطية على جرائمهما السافرة ضد الإنسانية.. ففي سياق مهمة مفضوحة كهذه يجري بشكل متعمد تجاهل الشكاوى التي ترفعها الجمعيات اليمنية العاملة في مجال حقوق الإنسان وتلك التي ترصد جرائم الحرب.
كل البلاغات المرفوعة من جهات يمنية يجري تجاهلها تقريبا من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان وممثلها في اليمن جورج أبو الزلف، الذي بدأ مهمته في اليمن متحمسا لملاحقة الجرائم التي ارتكبها المخلوع صالح خلال عامي 2011 و2012، وانتهى به المطاف إلى حالة من عدم الاكتراث.
تستأثر الوكالات الأممية بجزء مهم من الدعم الموجه لليمن وللعون الإنساني في الإنفاق على مسئوليها وخبرائها الذين يتقاضون أجورا مضاعفة مقابل عملهم في ظروف خطرة.
لكن المؤسف أن معظم مسؤولي وخبراء هذه الوكالات لا يتواجدون في اليمن، بل يتوزعون على العواصم المجاورة لليمن ويدير مهامه من هناك، ولم يصدر عنها موقف نزيه حتى الآن، إذ لا تزال تتحدث عن إطراف متصارعة في اليمن.
لم نر مجلس حقوق الإنسان في جنيف يقف بمسئولية حيال ما يجري في اليمن من انتهاكات، وصار واضحا أن هناك تصرفات تتناقض مع مهنية الوكالات الدولية ومسئولياتها الأخلاقية.
هذا النوع من النفاق هو الذي يطيل الحرب والأزمة في هذا البلد، ويدفع اليمنيون جراءه ثمنا غاليا من دمائهم وكرامتهم.
أشعر أن هذه الوكالات تنفذ تعليمات القوى المهيمنة على الأمم المتحدة والتي تدفع باتجاه تعويم ما يجري في اليمن، بما يسمح ببقاء المليشيا
الحوثية قوة مؤثرة وأداة من الأدوات؛ التي يتوهم البعض إمكانية توظيفها بنجاح في القضاء على تنظيم القاعدة.
حتى الآن تنظيم القاعدة في اليمن من أساسه ليس سوى منظمة يجري التحكم بنشاطاتها من غرف عمليات سرية في صنعاء.
وعلى المجتمع الدولي إن كان جادا في مواجهة تنظيم القاعدة وإرهابه المفترض، أن يقوم بدراسة البيانات التي صدرت عن هذا التنظيم عقب كل عملية إرهابية قام بها، منذ الهجوم على مجمع الدفاع بصنعاء وحتى اليوم.
إذ لا يجوز أن يستمر الشعب اليمني في مواجهة عدوان عسكري مليشياوي يقتل بلا هوادة، ويفسد الحياة ويقضي على كل فرص الانتقال السياسي وإقرار السلام في اليمن، في حين يتراجع المجتمع الدولي عن كل التزاماته وقراراته بشأن حل الأزمة في هذا البلد، فقط لأنه أدرك أن أولوية الحرب على القاعدة، تتصدر كل ما عداها من أولويات، وكأن ما يصيب الغرب إرهابا وما يصيب غيره بردا وسلاما.