بعد خمس سنوات من التقشف يجد
اليونانيون انفسهم، عشية استفتاء غير واضح النتيجة، سيحدد مصير حكومتهم ومستقبل العلاقة مع منطقة اليورو، ممزقين بين الكلل من التقشف والتمسك بأوروبا.
وتفتح مكاتب التصويت في الاستفتاء أبوابها عند الساعة 7:00 بالتوقيت المحلي (4:00) بعد حملة خاطفة بدا أثرها أن أنصار "نعم" وأنصار "لا" متقاربون، بينما ساد الجمود كل شيء السبت الذي توقفت فيه الدعاية السياسية بعد ساعات من تعبئة مكثفة للمعسكرين وسط العاصمة اليونانية أثينا.
وشهد
الاقتصاد اليوناني الذي يعاني منذ خمس سنوات رغم بداية انتعاش نهاية 2014، حالة تباطؤ منذ إغلاق المصارف الاثنين، وفرض رقابة على حركة رؤوس الأموال، وذلك حتى الثلاثاء.
وتحاول حكومة اليسار المتشدد بزعامة ألكسيس تسيبراس التغطية على الأصوات القلقة من احتمال تمديد هذه الإجراءات غير المسبوقة أو إمكانية تفاقم القيود.
وقال بافلوس (متقاعد-72 عاما) إن المستقبل "قاتم جدا"، مضيفا الآن: "هناك المال، لكن الأسبوع القادم يمكن ألّا يكون هناك مال. كيف سيواجه الناس متطلبات معيشتهم اليومية؟. لا نعرف".
وفي متجر في غليفادا المنطقة الراقية في ضواحي أثينا، بدا السكان قلقين، ويقبلون بكثافة على شراء الحاجيات الأساسية، مثل العجين والبقول الجافة والحليب المركز وورق الحمام.
ونفى وزير المالية يانيس فاروفاكيس، مدعوما ببيان من وزارته، مساء الجمعة - السبت على حسابه على موقع تويتر "الإشاعة المغرضة" التي وردت في مقال في "فايننشال تايمز" حول وضع المصارف اليونانية لخطط تنص على اقتطاع 30 في المئة من الودائع التي تزيد على ثمانية آلاف يورو.
واتهم فاروفاكيس السبت دائني بلاده بـ"الإرهاب" وبأنهم يريدون "إذلال اليونانيين"، متسائلا في مقابلة مع صحيفة أل موندو الإسبانية: "لماذا أرغمونا على إقفال المصارف؟ لماذا يبثون الخوف بين الناس؟".
"أوخي" و"ني"
وكان فاروفاكيس، مساء الجمعة، قد علت وجهه ابتسامة عريضة، ضمن أكثر من 25 ألفا من أنصار "أوخي" (لا باليونانية)، تجمعوا أمام مبنى البرلمان للاستماع إلى تسيبراس الذي وصل إلى المكان مثل نجوم الروك في محاولة أخيرة لرص صفوف أنصاره، داعيا إياهم إلى رفض إجراءات تقشف الدائنين "من أجل العيش بكرامة في
أوروبا".
في المقابل، كان أنصار "ني" (نعم باليونانية) في عدد مماثل تقريبا متجمعين عند الجانب الأخير من مبنى البرلمان أمام الملعب الذي احتضن الألعاب الأولمبية لعام 1896 وسط أعداد كثيفة من الأعلام اليونانية ورايات الاتحاد الأوروبي.
وأظهرت استطلاعات جديدة للرأي تقاربا بين مؤيدي برنامج المساعدة والرافضين له، بحيث بدا من الصعب توقع ما ستؤول إليه نتيجة الاستفتاء.
وتفوق مناصرو التصويت بـ"نعم" في ثلاث استطلاعات، بفارق يراوح بين 0,4 و0,6 نقطة فقط، فيما بين استطلاع رابع تقدم معسكر "اللا" بـ0,5 نقطة فقط.
ولا تزال نسبة المترددين عالية، ما يترجم تمزق اليونانيين إزاء ضرورة الاختيار بين مستقبل العلاقات مع منطقة اليورو واستقرار الحكومة.
وسيشكل فوز "نعم" خيبة للحكومة التي يقودها حزب سيريزا اليساري المتشدد، ويمكن أن يفتح الباب أمام فترة عدم استقرار سياسي لا يمكن لاقتصاد البلاد وبنوكها تحمله حتى لأمد قصير.
أما فوز "لا"، فمن شأنه أن يؤدي -بحسب معظم المراقبين- إلى "قفزة في المجهول"، حتى إن كانت الحكومة تعد بالتوصل إلى اتفاق في الأيام التالية مع شرعية معززة، فالواقع أن كل شيء رهين موقف الشركاء الأوروبيين الذين لا يبدون موحدين إزاء ملف اليونان.
وحذر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الجمعة من أن موقف اليونان التفاوضي مع دائنيها "سيضعف بشكل كبير" في حال فازت "اللا" في الاستفتاء.
ولكن رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك سعى إلى تخفيف التوتر، داعيا الاتحاد الأوروبي إلى تفادي "الرسائل الدراماتيكية".
ويعتقد القادة الأوروبيون أن الاتحاد متين إلى الحد الذي يمكنه من مواجهة اضطرابات
الأزمة اليونانية، وكرر رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي السبت أن بلاده لم تعد كما كانت قبل ثلاث أو أربع سنوات، وأنه على الإيطاليين "عدم الخوف من آثار سلبية" لهذه الأزمة.
وقال الشاب يانيس (25 عاما) الذي كان ضمن تجمع "لا" مساء الجمعة "بالنسبة لجيلنا، إذا فازت (لا) يجب أن نغادر منطقة اليورو"، بينما أبدى الأنصار الأوروبيون لليسار اليوناني تضامنهم من خلال تجمعات عديدة هذا الأسبوع.
وتجمع المئات منهم السبت في لندن ودبلن، كما من المقرر تنظيم تجمع في برشلونة.
اقتصاديون عالميون
وفي مقال في صحيفة نيويورك تايمز، كتب بول كروغمان، الحائز أيضا على جائزة نوبل، أن التصويت بـ"لا" قد يخرج اليونان من منطقة اليورو، و"من شأن ذلك أن يثير الفوضى على الأمد القصير، ولكن سيمنح اليونان فرصة حقيقية للتعافي".
إلى ذلك وصف توماس بيكيتي، الاقتصادي الفرنسي الشهير، خطة المساعدة المطروحة بأنها "سيئة".
في المقابل وجه 246 من أساتذة الاقتصاد اليونانيين كتابا مفتوحا شددوا فيه على ضرورة التمسك بالبقاء في منطقة اليورو والاتحاد الاوروبي خشية نتائج كارثية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجيو سياسية.
من جهته، أكد وزير المالية الألمانية فولفغانغ شويبله أنه حتى في حال فوز "النعم" فان استئناف المفاوضات "سيحتاج وقتا".
وهو موقف يتعارض تماما مع موقف نظيره اليوناني فاروفاكيس، الذي أعرب عن اقتناعه الكامل بأنه "أيا تكن نتيجة الاستفتاء، سيتم التوصل إلى اتفاق الاثنين، لأن أوروبا تحتاج إلى اتفاق، واليونان تحتاج إلى اتفاق".