كتب منار الرشواني: يصح تماماً القول، إن العالم أجمع يقف إلى جانب
مصر في حربها على الإرهاب الذي تصاعدت هجماته، مدى وخطورة، خلال الأيام الماضية. ولا يُستثنى من هذا الإجماع حتى الأطراف المفترض -بحسب منظري نظرية المؤامرة ومؤيديها- أنها تسعى إلى تفتيت العالم العربي عبر الديمقراطية (!) والإرهاب معا، لاسيما الولايات المتحدة والغرب عموماً، وحتى إسرائيل، وصولاً إلى دول عربية عدة.
مع ذلك، يصح القول أيضاً، إن هذا الإجماع الاستثنائي، وإن كان عالمياً فعلاً، إلا أنه ليس يكفي أبداً لحماية مصر من الإرهاب والاضطراب وعدم الاستقرار، وتبعاتها الأسوأ حتماً. وكما تنبئ تجارب حالية وسابقة، في المنطقة وخارجها، ليس هناك من طرف قادر على حماية أرض الكنانة إلا أبناؤها المصريون، بل وحتى بغياب أي دعم إقليمي ودولي.
برغم بساطة جزء كبير من
الشعب المصري، إن لم تكن أغلبيته، وإلى الحد الذي أرادت بعض "النخب" المصرية استخدام ذلك ضده، باعتبارها بساطة تبرر حرمانه من الديمقراطية، كونه لا يعرف مصلحته التي يجب أن يختار ممثليه على أساسها؛ برغم ذلك فإن هذا الشعب مارس "عبقرية" حقيقية إبان ثورته على نظام حسني مبارك، تمثلت في استمالة الجيش المصري إلى صفه، بما حمى الثورة والدولة آنذاك. أما الانتكاسة أو الانتكاسات التي تلت ذلك، فيتحمل مسؤوليتها، أولاً وقبل أي طرف آخر، "النخب" والقوى السياسية على اختلاف ألوانها ومشاربها؛ حين أرادت كل منها الاستئثار بسلطة لم تكن تجرؤ على الاقتراب منها ولو تخيلا وأحلاما، لولا الشعب البسيط ذاته.
الآن، مع الهجمات الإرهابية غير المسبوقة، يعود المصريون إلى بث الحياة في ذات العبقرية، بالتفافهم حول الجيش، لإنقاذ الدولة المصرية كما أنقذ "
ثورة يناير" في العام 2011. ولتكون الكرة مرة أخرى في ملعب الجيش المصري والقيادة المصرية، بإدراك مضمون هذا الالتفاف الشعبي؛ لأجل "الدولة"، التي تتطابق أكثر ما تتطابق، وفي العالم أجمع، مع الشعب، فيما لم ولن تتطابق أبدا مع نظام حاكم.
لندع بدهية أن الحلول العسكرية-الأمنية الواسعة لاستئصال كل الخصوم، باسم محاربة الإرهاب، لم تؤد إلا إلى تغذية التشدد والتطرف العام اللذين لم يستفد منهما في المحصلة النهائية سوى الإرهاب ذاته. وتجربة العراق وسوريا درسان ماثلان لمن أراد الاتعاظ، وكان حريصا فعلا على "الدولة" وليس على الأنظمة أو فرد فيها.
الأهم من تلك البدهية، أن مصر لم تعد تحتمل حلولا عسكرية-أمنية طويلة المدى؛ فمثل هذه الحلول ستعني تدمير الاقتصاد الوطني القائم على السياحة والاستثمار الأجنبي وسواهما، وبما يمس الأغلبية العظمى من المواطنين المصريين الذين قيل إنهم ثاروا ضد الرئيس السابق محمد
مرسي، لفشله في إحداث فرق في حياتهم المعيشية خلال سنة من حكمه. وحتى بافتراض ضمان "نجاح" الحلول العسكرية-الأمنية في النهاية، فإن مثل هذا النجاح أو النصر (غير المتوقع طالما أنه يعني مواجهة كل مخالف)، سيفتحان فقط ومباشرة على مرحلة اضطراب جديدة، محركها الانهيار الاقتصادي لأوضاع أغلبية الشعب المصري، فتكون العملية أشبه بدائرة شر مفرغة لا مخرج منها.
أكان "ربيعاً عربياً" أم خريفاً أم شتاء أم حتى مؤامرة، فإن ثمة خلاصة واحدة لا يمكن إنكارها، وهي أن الشرعية لم تعد قابلة للاستيراد، بل هي من الشعب أولا وأخيرا. وبهذه الشرعية فقط يمكن استئصال الإرهاب في مصر وسواها، وليس مواجهته فقط.
(عن صحيفة الغد الأردنية 4 تموز/ يوليو 2015)