كتاب عربي 21

هجمات منسقة في الذكرى الأولى لخلافة "الدولة الإسلامية"

1300x600
شهدت الذكرى الأولى لإعلان خلافة "الدولة الإسلامية" هجمات منسقة مفتوحة في الزمان والمكان طالت الكويت وتونس وفرنسا، فضلا عن الهجمات التي قام بها التنظيم على جبهاته الحدودية في العراق وسوريا وخصوصا في مناطق السيطرة الكردية في الحسكة وكوباني، بالإضافة إلى هجماته التقليدية اليومية في ولاياته الخارجية وخصوصا اليمن وسيناء وليبيا وأفغانستان، وذلك استجابة لخطاب تنظيم الدولة الذي جاء على لسان الناطق باسم الخلافة أبي محمد العدناني، الذي دعا أتباع وأنصار "الدولة" إلى تكثيف العمليات والهجمات خلال شهر رمضان على أعداء التنظيم من الشيعة والصليبيين والمرتدين.

 جاء الإعلان عن قيام دولة "الخلافة" في 29 حزيران/ يونيو 2014، عقب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في 10حزيران/ يونيو 2014، وذلك بعد أن تمكن التنظيم من خلق فضاء جيوسياسي جديد ممتد من الموصل في العراق إلى حلب في سوريا، في تحد غير مسبوق للمنظومة الدولية التي دشنتها اتفاقية "سايكس ــ بيكو"، وعلى الرغم من تشكيل تحالف دولي واسع بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على التنظيم وتنفيذ ضربات جوية يومية على معاقل التنظيم والاعتماد على قوات الجيش والشرطة العراقية ومليشيات الحشد الشعبي الشيعي المسند من إيران وقوات البيشمركة الكردية في العراق ومواجهة القوات العسكرية للنظام السوري وغيره من فصائل المعارضة السورية المسلحة ومن ضمنها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية تمكن من الصمود والتوسع وبرهن على قدرته على الاحتفاظ بمساحات جغرافية كبيرة مع وجود خسارات في بعض المناطق وخصوصا الجغرافية الواقعة تحت سيطرة المكونات الديمغرافية الكردية.

في سياق الاحتفال بمرور عام على إعلان خلافة الدولة الإسلامية ظهر الناطق باسم الخلافة أبو محمّد العدناني في كلمة صوتيّة بعنوان "يا قومنا أجيبوا داعي الله" نشرتها "مؤسسة الفرقان"، وهي إحدى الأذرع الإعلامية للتنظيم في 23 حزيران/ يونيو 2015، وقد جاءت الكلمة حافلة بالدلالات والمضامين، فضلا عن اللهجة الجديدة الهادئة للعدناني التي غايرت أسلوبه الحاد العنيف الغاضب مع احتفاظه بالعنف الخطابي اللفظي المعهود، وهو نهج خطابي يشير إلى تحول في بنية الخطاب العام من خطاب جماعة وتنظيم إلى خطاب دولة وخلافة، الأمر الذي يقتضي الاعتراف بحدوث خسائر وهزائم حينا ومكاسب وانتصارات أحيانا أخرى، إذ يقول: "يا جنود الدولة الإسلامية في كل مكان، اعلموا أن الله لم يعط عهداً للمجاهدين بالنصر في كل مرة، بل إن من سنّته أن جعل الأيام دولاً والحرب سجال"، وأضاف: "قد يخسر المجاهدون معركة أو معارك، وقد تدور عليهم الدوائر فيخسرون مدناً ومناطق، إلا أنهم لا يهزمون أبداً.. فإن خسرتم أرضاً فستستعيدونها إن شاء الله وزيادة"، وقد ركز العدناني في كلمته على شرعية دولة الخلافة وتمثيلها للسنة في العالم، حيث خصص مساحة واسعة للحديث عن العراق ووضع السنة وخطر التمدد الإيراني الشيعي وحذر بلدانا مخصوصة بنداء إلى: "أهل السنّة في الأردن ولبنان، وبلاد الحرمين"، وقال محذرا: "إن لم تتداركوا سنّة العراق والشام فأدركوا أنفسكم، لا يكن حالكم كحال من قال أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، وأكد على ضرورة الانتفاضة ضد "حكامهم الطغاة"، ودعا الفصائل التي تقاتل الدولة في مناطق عديدة إلى الاعتبار والتوبة والالتحاق بركب الدولة الإسلامية، داعيا "الصحوات في الشام وليبيا إلى الكف عن قتال الدولة الإسلامية والرجوع إلى ربهم، كما دعا "المجاهدين في خراسان للالتحاق بركب الخلافة ونبذ الخلافات"، وأشار إلى تمدد الدولة في مناطق جديدة، حيث أعلن العدناني أن "الخليفة قبل بيعة أسود الدولة في القوقاز"، وعيّن "الشيخ الفاضل أبا محمد القَدَري والياً" هناك، كما شن حملة شعواء على أعداء الدولة من "الشيعة والصليبين والمرتدين"، حيث بدأ بــ"الرافضة" و"الطواغيت" و"حمير العلم"، وخصّ الرئيس الأمريكي وحملته العسكرية وحلفه بالقول: "بغل اليهود أوباما الفاشل وحزبه العاجز وحلفه الضعيف" وأشار إلى الحملة الجوية ونعتها بالفشل، وتندر بقوله: "لم نسمع عبر التاريخ من قبل عن نكسة تكتيكية، ولكننا نعدكم بنكسات ونكسات ومفاجآت إثر مفاجآت"، مؤكدا على أن "الدولة وجدت لتقاتل النصارى، واليهود والطواغيت".

حملت كلمة العدناني تهنئة للمسلمين بشهر رمضان الكريم، وتضمنت رسائل واضحة بتصعيد الهجمات خلال شهر رمضان باعتباره "شهر الجهاد والاستشهاد"، حيث دعا إلى تنفيذ هجمات على المسيحيين والشيعة والسنة الذين يقاتلون ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وشدد على تحويل شهر الصيام إلى "شهر وبال على "الكافرين"، والشيعة "والمرتدين من المسلمين"، وقال: "أيها المسلمون في كل مكان نبارك لكم قدوم شهر رمضان المبارك فاغتنموه، وأفضل القربات لله هو الجهاد فسارعوا إليه، واحرصوا على الغزو في هذا الشهر الفضيل، والتعرض للشهادة فيه فهنيئا لمن أمضى رمضان غازيا في سبيل الله".

تزامنت كلمة العدناني مع إصدار شريط مصور بعنوان "وإن عدتم عدنا"، أصدره المكتب الإعلامي لولاية نينوى، يظهر عمليات إعدام جديدة واعترافات لــ (16) شخصا ممن وصفهم التنظيم بأنهم "جواسيس" يعملون مع الحكومة العراقية لرصد مناطقهم داخل الموصل، ويظهر التسجيل سلسلة من الاعترافات تليها عمليات إعدام بطرق مروعة، الأولى عن طريق وضع مجموعة من الأسرى داخل سيارة قبل نسفها بقذيفة "آر بي جي"، في حين تم وضع المجموعة الثانية داخل قفص حديدي ومن ثم إغراقهم داخل المياه، ثم قتل سبعة آخرين بلف متفجرات حول أعناقهم.

عقب دعوة العدناني بشن هجمات واسعة خلال شهر رمضان على الشيعة والمرتدين والصليبيين، جاءت الاستجابة سريعا في 26 حزيران/ يونيو 2015، عبر سلسلة من العمليات المنسقة تترجم طبيعة إيديولوجيا تنظيم الدولة واستراتيجيته، فقد استهدفت هجمات التنظيم ثلاثة أهداف تكشف عن بنيتها وأولوياتها، حيث شملت الهجمات كلا من فرنسا وتونس والكويت، ففي الكويت فجر انتحاري نفسه خلال صلاة الجمعة، في مسجد الإمام الصادق الذي يرتاده الشيعة بمنطقة الصوابر في مدينة الكويت، وأسفرت عن سقوط 27 قتيلا و227 جريحا، وقد تبنى تنظيم الدولة العملية في بيان باسم "ولاية نجد"، وهي فرع تنظيم الدولة الاسلامية في السعودية، قائلا إنه "في عملية نوعية.. انطلق أحد فرسان أهل السنة الغيارى وهو الأخ أبو سليمان الموحد ملتحفا حزام العز الناسف مستهدفا وكرا خبيثا ومعبدا للرافضة المشركين (حسينية الإمام الصادق) في حي الصابري بمنطقة الكويت". 

وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد شن هجمات عديدة على مساجد شيعية في اليمن والسعودية، ففي 17 حزيران/ يونيو 2015 تبنىت ولاية اليمن التابعة للدولة الاسلامية سلسلة من التفجيرات ضد مساجد للشيعة ومنزلا لأحد قادة الحوثيين في صنعاء ما أسفر عن مقتل 31 شخصا وإصابة العشرات، كما نفذ هجوما بعبوة ناسفة داخل مسجد "الصياح" شرقي صنعاء، مما أدى إلى جرح 13 شخصا، وكان تنظيم الدولة قد تبنى في آذار/ مارس 2015 تفجيرين استهدفا مسجدين يرتادهما حوثيون بالعاصمة صنعاء أسفرا عن مقتل نحو 140 شخصا وإصابة 350 آخرين.

وفي السعودية أعلن تنظيم الدولة الإسلامية من خلال ولاية نجد في 22 أيار/ مايو 2015 مسؤوليته عن التفجير الذي استهدف مسجد الإمام علي بن أبي طالب في بلدة القديح بمحافظة القطيف في قرية القديح بمحافظة القطيف وأودى بحياة 22 شخصًا وجرح عشرات آخرين، وقال التنظيم، في بيان نشره على الإنترنت: "أبو عامر النجدي قام بتفجير نفسه بحزام ناسف داخل مسجد القديح في محافظة القطيف السعودية"، وبعد أسبوع في يوم الجمعة 29 أيار/ مايو 2015 شهدت مدينة الدمام الكائنة في شرق السعودية عملية أخرى في مسجد الإمام الحسين الخاص بالشيعة في الدمام، وقد أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، وجاء في بيان نشره التنظيم على موقع تويتر: "انغمس الأخ الغيور جندي الخلافة أبو جندل الجزراوي في جمع... وقد يسر الله له الوصول إلى الهدف رغم تشديد الحماية"، وأفادت الشرطة السعودية بمقتل أربعة أشخاص.

وفي عملية متزامنة أخرى تعرضت مدينة سوسة الساحلية التونسية، إلى هجوم نفذه مهاجمان من المسلحين تبادلوا إطلاق النار مع أجهزة الأمن التونسية ما أسفر عن سقوط 39 قتيلا بينهم عدد من السائحين الأجانب و39 جريحا، وقد تبنى تنظيم الدولة الهجوم عبر مواقع مقربة على تويتر، وكان تنظيم "الدولة الإسلامية" قد شن هجوما في العاصمة تونس بتاريخ 18 آذار/ مارس 2015 باستهداف متحف باردو، وأسفرت العملية عن مقتل 23 شخصا بينهم 20 سائحا، وإصابة أكثر من 50 جريحا.

وفي فرنسا اعتقلت الشرطة رجلا يشتبه بمشاركته في تنفيذ هجوم على مصنع للكيمياويات بالقرب من مدينة ليون الفرنسية، أسفر عن مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين، وكان تنظيم الدولة قد شارك بشن هجمات على باريس في 7 كانون ثاني/ يناير 2015، وانتهت يوم الجمعة 9 كانون ثاني/ يناير بالقضاء على ثلاثة مسلحين وهم: سعيد ورشيد كواشي، وأحمد كوليبالي، وقد خلفت الهجمات 17 قتيلا و20 جريحا.

خلاصة القول، إن تنظيم الدولة الإسلامية عقب مرور عام على إعلان خلافة الدولة الإسلامية، لا يزال يحتفظ بمساحات شاسعة في العراق وسوريا، وقد تمكن من اختراق منظومة سايكس ــ بيكو وخلق فضاء جيوسياسي جديد ممتد من حلب إلى الموصل، وهو قادر على التمدد والتوسع عبر ولاياته الخارجية وقادر على زعزعة الاستقرار في مناطق عديدة عبر خلاياه النائمة وذئابه المنفردة، وكشفت عملياته الأخيرة في الكويت وتونس وفرنسا عن طبيعة بنائه الإيديولوجي واستراتيجياته وتكتيكاته القتالية، فالتنظيم يستند إلى سردية خطابية تحتكر تمثيل السنة كممثل للإسلام القويم، وتتحدد قائمة أعدائه "باليهود والصليبيين والشيعة الصفويين والطواغيت المرتدين".