"لأول مرة منذ تحرير أحياء
حلب من سلطة النظام، أرى هذا الشعب المجتهد النشيط المدبر عاجزا عن إيجاد الحلول"، بهذا يعّبر رئيس مجلس مدينة حلب المحلي السابق عبد العزيز المغربي، عن مقدار العجز الذي وصلت إليه إدارة المدينة المحررة، الذي فرضه نقص المحروقات، المتزامن مع حلول شهر
رمضان على المدينة.
ويضيف المغربي في حديث لـ"
عربي21": مع دخول شهر مضان، وهو الشهر الأشد قساوة على المدنيين منذ تحرير المدينة، دقت أفران المدينة ناقوس الخطر، والمرافق الصحية أيضا، ولم تعد تقتصر معاناتنا على القصف الذي تتعرض له المدينة يوميا، بل امتدت معاناتنا إلى لقمة العيش، إلى درجات الحرارة المرتفعة التي ستكابدها أجسادنا بدون كهرباء".
ويقول مغربي، موجها خطابه إلى "أصحاب الضمائر الحية"، حسب وصفه: "أناشدكم الله كلكم، رمضان شهر للجود، فلا تبخلوا على الفقراء الذين لا يستطيعون مواجهة ارتفاع الأسعار الجنوني، ضعوا أيديكم في أيدينا لندفع عجلة الحياة، حتى لو كانت تحت حمم القذائف والبراميل، فليس من الصعب إيجاد الحلول لتغذية المدينة، لتستمر الحياة على الأقل ولو كانت في بوتقة الجحيم".
وبينما اعتاد أهالي مدينة حلب على تناول مأكولات خاصة في رمضان، أبرزها ما يعرف شعبيا بـ"المعروك"، وهو نوع من المعجنات المحلاة، يجد الأهالي أنفسهم مرغمين على البحث أولا عن الخبز الذي ارتفعت أسعاره في عموم أحياء المدينة، علاوة على ارتفاع أسعار مادة اللحوم بشقيها البيضاء والحمراء، وغيرها من المواد والسلع الضرورية لهذا الشهر.
وبالتزامن مع احتدام المعارك بين الثوار الذين يتقدمون في الجهة الغربية على حساب تراجع لقوات النظام، يصب النظام جام غضبه على المدنيين بالبراميل المتفجرة التي تلقيها طائراته المروحية، والصواريخ الفراغية، مستهدفا تجمعات المدينة، الأمر الذي حدا بعدة جهات ثورية وعسكرية إلى إغلاق الأسواق العامة، وفض التجمعات تحسبا لعمليات انتقامية قد يقوم بها النظام لإيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى في صفوف المدنيين.
ويرى هشام اسكيف، مدير المكتب السياسي في اتحاد ثوار حلب، أن حالة الأسواق الحلبية سيئة للغاية، واضعا غياب المحروقات عن المدينة، -الذي سببه منع تنظيم الدولة دخوله إلى المدينة- ، على رأس مسببات المعاناة لحوالي مليوني مواطن يعيشون في مدينة حلب وأريافها.
ويكشف في حديثه الخاص بـ"
عربي 21"، عن برامج يعتزم الاتحاد القيام بها، من بينه إعداد وجبات إفطار للمقاتلين، والمدنيين الذين تقطعت بهم السبل بسبب الغلاء، علاوة عن البحث عن شرايين جديدة تغذي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة بالمحروقات.
لكنه بالمقابل، يشدد على الإرادة القوية التي يمتلكها الأهالي في مدينة حلب، معتبرا أن الحياة مستمرة، رغم القصف والغلاء والحصار الذي فرضه تنظيم الدولة والنظام على المدينة في آن معا.
إلى ذلك، حملت غرفة فتح حلب العسكرية، في بيان صادر عنها، تنظيم الدولة المسؤولية الكاملة عن التضييق الذي يمارس على المدنيين، معلنة براءة الفصائل العسكرية من أفعال التنظيم. وشددت الفصائل في بيانها على براءة الدين الإسلامي من الأفعال التي تحاصر المدنيين وتحاربهم في لقمة عيشهم.
"سقيا رحمة"
ليس هذا فحسب، فهنا حتى تأمين أبسط الأشياء صار بحاجة إلى حملات وإسهام خيري. فالماء البارد قد يكون حلم الصائم في المدينة، لأن التيار الكهربائي يغيب عن المدينة لساعات طوال، عدا عن توقف المولدات الكهربائية عن العمل. ونتيجة لذلك أعلنت منظمة سوريات عبر الحدود، بالتعاون مع جمعية فسحة أمل المحلية، عن إطلاقها حملة "سقيا رحمة"، تهدف إلى توزيع قوالب الثلج على حوالي 100 عائلة من العائلات الأشد فقرا.
وتقول إحدى المشرفات على الحملة: "قد لا يكون الماء البارد من أكثر ما يشتهيه الصائم، وخصوصا في الشهر الجاري، لأن ساعات الصيام هي الأطول ربما، ولأن درجات الحرارة مرتفعة أيضا، وقد يكون عدد 100 عائلة هو عدد بسيط، ولكن نحن نعمل وفق الموارد المتاحة".
وأعلنت منظمات خيرية، دولية ومحلية، رفع حالة التأهب، واستنفار كوادرها مع بداية الشهر الكريم، وبدأت بتوزيع السلال الغذائية على الأهالي، اسهاما في وضع حد لمعاناة الأهالي.