كلّفت الحرب في سوريّا شبّان
الساحل أكثر من 60 ألف قتيلا، وأكثر من 10 آلاف مفقود، وما يزيد عن 15 ألف معاق نتيجة إصابة خطيرة، وجميعهم من فئة
الشباب من عمر الثامنة عشر وحتّى الخامسة والثلاثين، أي ما يعادل (20 في المئة من فئة الشباب) وهذا ما خلق فجوة حقيقيّة في بنية المجتمع، الحرب التي أوغلت فصولها في بنيان المجتمع السوري، وبات الجرح عميقا، يأنّ الجميع تحت وطأته.
صبا (35 عاما) فقدت حبيبها قبل ثلاث سنوات على إحدى جبهات القتال. كانا على وشك
الزواج قبل التحاقه في صفوف المقاتلين، حيث قضى بعد فترة وجيزة.
حكت صبا لـ"
عربي21" عن ظاهرة العنوسة التي باتت تعكر صفو حياة كلّ فتاة، بعد الفقد الكبير الذي شهده المجتمع في فئة الشباب.
تقول صبا: "الجميع في الجبهات، ومن بقي من شبّان هربوا من القتال ومن شظف العيش في هذه البلاد. وفي كلّ جنازة نتيقين أكثر فأكثر بأنّ الوحدة والعنوسة هي مصيرنا. لم يعد لدى الفتاة هنا "شروط للزواج"، فقط أن يكون العريس يعيش حياة آمنة، بعيدا عن الحرب ومآسيها، فالترمّل شبح أشد سطوة من العنوسة" حسب قولها.
شذا، ابنة الخمسة والعشرين ربيعا، التي تخرّجت حديثا من كليّة الفنون الجميلة، كانت مخطوبة أيضا لأحد المقاتلين، لكنهما انفصلا، والأسباب توردها بكل أسى: "لم أكن أستطع رؤيته إلا كل بضعة أشهر ولأيام قليلة تمضي كالبرق".
وتقول شذا: "مع مرور الأيام بتّ أشعر أن هذا الذي أحبّه هو تلك الكلمات على "الواتسأب" ليس أكثر، لم يكن نفسه الحبيب الذي أحببته لثلاث سنوات في الجامعة، تغيّر كثيرا، أصبح فظّا وقاسيا وكثير الشكوى"، وتضيف: "باختصار.. كانت علاقتنا عبئا كبيرا عليه، لم يستطع أن يحتمل أكثر".
وعن القلق من العنوسة، تقول شذا: "فقدت الأمل في أن أجد شابا أستطيع أن أنشئ معه أسرة، أفكر مليا في بناء مستقبلي وحدي، وأن أنسى الزواج والعائلة والأطفال، فجميع من أعرفهم من الشباب إمّا مقاتلين أو هاربين من القتال، أو عاجزين عن إطعام أنفسهم".
وترى شذا أن "الشباب هنا (الساحل) قد فقدوا الأمل والجميع يفكّر في السفر، لا بل يحلمون بالعيش في أوروبا التي ستطعمهم وتزوجهم وتؤمّن لهم حياتهم التي يحلمون بها" حسب تعبيرها.
من جتهها، تؤكد حنان، الباحثة الاجتماعيّة والناشطة في مجال الحقوق النسويّة، لـ"
عربي21" أنّ المجتمع كان يعاني من شروط خاصّة للزواج قبل هذه المرحلة الصعبة، وما زاد في صعوبة الأمر هو تكبيل الشباب بمهمات القتال التي طالت كثيرا، وأدّت لظهور ثغرة واضحة في بنية المجتمع من حيث الفقد الكبير لفئة الشباب".
كما تحدثت الباحثة الاجتماعية عن عوامل أخرى، منها "الإفقار" الذي أصاب المجتمع نتيجة الحرب وتوقف عجلة الاقتصاد، والغلاء الفاحش في أسعار العقارات وحتّى القوت اليومي، ما أدّى إلى عزوف الشبان عن الزواج بشكل صارخ".
لكن الباحثة حنان تلاحظ أنّ "هناك زيجات تتم مع التغاضي الكامل عن الشروط التي كانت حادّة قبل هذه الكارثة التي نعيش، لكنّها تبقى في الحدود الدنيا لمعدلات الزواج السنويّة في الساحل".
وتضف: "كانت معدلات الزواج قبل سنّ الخامسة والعشرين للشبّان والعشرين للفتيات أكثر من 30 في المئة، وأكثر من 50 في المئة في سن الثلاثين للشبّان والخامسة والعشرين للفتيات، إلا أن عدد الزيجات السنويّة انخفض بأكثر من 70 في المئة في السنوات الأربع الماضية" حسب تأكيد الباحثة.