نشرت صحيفة لاكروا الفرنسية تقريرا حول مواقف رجال الدين في
العراق، بين الخوف من
تنظيم الدولة ورفض الهيمنة الإيرانية، ورد فيه أن المرجع الشيعي الأهم في مدينة النجف، آية الله
السيستاني، يسعى لاستنفار المليشيات الشيعية ضد تنظيم الدولة، ولكن يريد في ذات الوقت المحافظة على دولة عراقية موحدة بعيدة عن الطائفية والهيمنة الإيرانية.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه صحيفة "
عربي21"، إن "الحرب ضد تنظيم الدولة أعادت خلط الأوراق في الأوساط الشيعية في العراق، ومثلت اختبارا حقيقيا للعلاقة مع إيران، في ظل تأكيد المراجع الدينية على وحدة واستقلالية البلاد".
وأشارت الصحيفة إلى أعمال البناء الجارية على بعد 30 مترا من مرقد الإمام علي، لتشييد "دار العلم"، وهي مدرسة دينية سيتم افتتاحها في سنة 2016 لتستقبل طلبة العلوم الدينية، وتكون مركزا للدراسات المقارنة وحوار الأديان.
ويشرف على هذا المشروع جواد الخوئي، حفيد رجل الدين الراحل آية الله أبو القاسم الخوئي.
ونقلت الصحيفة عن هذا الشاب قوله: "نحن نريد تقديم تعليم متطور في كنف التسامح واحترام الأديان الأخرى، يجب أن يكون العراق دولة مدنية وليست دينية، قائمة على المساواة بين جميع مواطنيها، وتكون الدولة حامية للاختلافات العرقية والثقافية والدينية".
واعتبرت الصحيفة أن هذا الرجل، الحاصل على الدكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة عمان، "يمثل نموذجا على المدرسة الطلائعية المستنيرة في العراق، التي تتبنى النهج المسالم، على عكس النموذج الإيراني الذي وضع فيه الخميني سلطة رجال الدين في مركز القرار في طهران".
وأضافت أن مجموعة من رجال الدين، أبرزهم علي السيستاني والمراجع الدينية الثلاثة الأبرز في النجف، تبنوا هذا المبدأ، وقررا الاكتفاء بتقديم التوجيهات والنصائح، دون التدخل في السياسة والحكم في البلاد.
وذكرت أن السيستاني كان قد دعي في سنة 2003، بعد الغزو الأمريكي وسقوط نظام
صدام حسين، إلى تنظيم انتخابات في أسرع وقت ممكن، قبل أن يقرر الابتعاد عن القضايا السياسية في العراق.
وقالت الصحيفة إن هجمات تنظيم الدولة، في شهر حزيران/ يونيو 2014، على محافظات الموصل وصلاح الدين، والأنبار وديالا وكركوك، أجبرت السيستاني على الخروج من صمته.
وفي هذا السياق نقلت عن الأستاذ بجامعة الكوفة، محمد القريشي، قوله "إن تنظيم الدولة أصبح يهدد بالسيطرة على بغداد والنجف وكربلاء، وهو ما أطلق صدمة نفسية في صفوف
الشيعة،لأنهم يذكرون المعاناة التي تعرضوا لها في عهد صدام حسين".
وقالت الصحيفة إن السيستاني أصدر في 13 من شهر حزيران/ يونيو 2015، فتوى تدعو العراقيين "لحمل السلاح والدفاع عن العراق ضد عناصر تنظيم الدولة"، ما دفع بالآلاف من الشبان الشيعة للالتحاق بوحدات الحشد الشعبي.
وأرسل السيستاني في التاسع من تموز/ يوليو، رسالة لزعماء حزب الدعوة الشيعي، داعيا إياهم إلى "الإسراع في اختيار رئيس حكومة جديدة، يتمتع بدعم وطني واسع"، وهو ما اعتبر دعوة واضحة لاستقالة نوري المالكي المسنود من قبل إيران.
وذكرت الصحيفة أن السيستاني وأتباعه يخوضون صراعا، مع رجال دين أكثر تشددا على غرار الشاب مقتدى الصدر، والفصائل السياسية الموالية لطهران. خاصة بعد أن استفادت المليشيات التابعة لإيران من فتواه الداعية لحشد المقاتلين لمواجهة تنظيم الدولة، وهو يعمل منذ ذلك الوقت على العمل على عدم تحويل الحرب في العراق إلى صراع طائفي.
وأضافت الصحيفة أنه بعد التجاوزات الخطيرة التي ارتكبتها المليشات الشيعية في المدن التي استعادتها من يد تنظيم الدولة، أصدر السيستاني فتوى، في 12 شباط/ فبراير 2015، تتضمن نصائح للمقاتلين بعدم البحث عن الانتقام، والتركيز على حماية أرواح وممتلكات الأبرياء، مهما كانت انتماءاتهم.
وذكرت أن نائب السيستاني في كربلاء، عبد المهدي كربلائي، كان قد طلب من المقاتلين الشيعة رفع علم العراق في المناطق المحررة من سيطرة تنظيم الدولة، عوض رفع صور وأعلام تحت دلالات مذهبية، بعد أن أعطت هذه المليشيات بتصرفاتها صورة سلبية عن الحشد الشعبي، كما اعترف بذلك آية الله رياض الحكيم.
وأضافت الصحيفة أن السيستاني أكد على أن المتطوعين للقتال يجب أن يكونوا تحت سلطة الدولة وليسوا خارج القانون، وأن يكونوا في خدمة وحدة العراق وأمنه، ثم بعد زوال خطر تنظيم الدولة يتم إدماجهم في قوات الأمن الوطني ليشاركوا في حفظ الأمن.
واعتبرت أن ظهور تنظيم الدولة، وما نتج عنه في المقابل من تزايد لنفوذ المليشيات الشيعية، أدى لتغيير التوازنات والقوى في أوساط القيادات الشيعية.
ونقلت عن الخبير السياسي، سعد سلوم، "أن الصراع مع تنظيم الدولة أعاد توزيع الأوراق في الصراع على النفوذ بين النخب الشيعية، حيث أن زعماء المليشيات استفادوا من شعبيتهم التي اكتسبوها في ساحات المعارك، ليبسطوا نفوذهم بطريقة تجاوزت نفوذ رجال السياسة الفاسدين والفاقدين للثقة، وهو ما يعني أن السيستاني ورجال الدين الذين سيخلفونه لن تكون لهم السلطة الدينية والمعنوية كما في الماضي، ليتمكنوا من صد النفوذ الإيراني".
كما أشارت الصحيفة إلى انطلاق الصراع على خلافة علي السيستاني، الذي بلغ 84 من العمر، ومن أبرز الساعين للوصول لهذا المنصب، آية الله هاشمي الشهرودي، المقرب من على الخامنئي، والذي يعتبر من أهم رجال إيران المكلفين بنشر الأفكار والنفوذ الإيراني في العراق.