نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية سلسلة من المقالات حول تأزم الأوضاع في
بنغازي بسبب تعثر عملية "كرامة
ليبيا"، التي يقودها اللواء خليفة
حفتر، والذي يطمح لاستنساخ التجربة المصرية في ليبيا، وإرساء حكم عسكري كما فعل عبد الفتاح السيسي، بغض النظر عن الخسائر المادية والبشرية في صفوف المدنيين والعسكريين، كا تقول الصحيفة.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إن حفتر، الضابط الذي عمل في السابق إلى جانب الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، كان قد أطلق عملية "كرامة ليبيا" في 16 أيار، مايو 2014 تحت ذريعة "التخلص من الإرهابيين"، لينصب نفسه بعد ذلك قائدا أعلى للقوات المسلحة الليبية، الجناح العسكري لبرلمان طبرق. كما أضافت أن الجنرال ذي الـ70 عاما؛ يواجه أنصار تحالف "
فجر ليبيا" المساند للمؤتمر الوطني في طرابلس، إضافة إلى مقاتلي أنصار الشريعة وتنظيم الدولة الذين تحالفوا ضده بشكل ظرفي.
وذكرت الصحيفة في التقرير الذي أعده مراسلها في بنغازي ماتيو غالتيي، أن "الحرب الخاطفة" التي كان يعد بها خليفة حفتر قد تحولت اليوم إلى حرب شوارع طويلة المدى، خلّفت إلى حد الآن أكثر من 1720 ضحية، حسب "بودي كاونت ليبيا" غير الحكومية، وقسمت البلاد إلى شوارع تحت سيطرة قوات حفتر ومناطق تحت سيطرة خصومه.
وقالت إن الوضع في سوق العرب ببنغازي أصبح أقرب إلى مصيدة فئران منه إلى منطقة عسكرية، حيث تواجه المجموعات الموالية لحفتر خطر القناصة المتمركزين خارج السوق، والذين لغموا المكان قبل انسحابهم منه ودعموا مواقعهم بقذائف صاروخية وأسلحة أخرى متنوعة.
وأفادت الصحيفة بأن العديد من العقبات تقف أمام نجاح عملية "كرامة ليبيا"، أولها الإصرار الكبير الذي اصطدم به حفتر في مواجهته مع خصومه، بالإضافة إلى تناقص الدعم الذي يحظى به في الداخل والخارج، والانقسامات القبلية التي سببتها عمليته، رغم أن حفتر راهن منذ بدايات ظهوره على خطاب قبلي مشابه لخطاب معمر القذافي، في سعيه لجمع القبائل الليبية حوله ولضمان دعمها له ضد التيارات التي يريد إقصائها من المشهد الليبي.
وأكدت أن الدافع الوحيد الذي يجعل حفتر والمجموعات الموالية له يصرون على المضي في "
عملية الكرامة" المتعثرة هو كرهه لخصومه، الذين يعتبرهم جميعا "إرهابيين تابعين لتنظيم الدولة"، رغم أنهم ينتمون إلى عدة تيارات متنوعة وكانوا قد شاركوا في الثورة التي أطاحت بنظام معمر القذافي، وهو يصر على وسمهم بالإرهابيين ليعزلهم عن المجتمع الدولي ويتمكن من الحصول على الدعم الغربي في حربه ضدهم.
ونقلت الصحيفة في هذا السياق تصريحات عز الدين الوكواك، الذي يقود إحدى المليشيات الموالية لحفتر، قوله إنهم "سينقذون ليبيا كما أنقذ الجيش مصر"، وهو ما اعتبرته الصحيفة إشارة واضحة إلى نيتهم إرساء حكم عسكري في ليبيا إذا حققوا الانتصار في المعارك الدائرة.
وتطرقت الصحيفة إلى النتائج الوخيمة لهذه العملية التي أطلقها حفتر على كلّ شرائح المجتمع الليبي، حيث تزايد عدد الشباب القابعين في السجون، وتغيرت ملامح مدينة بنغازي التي شهدت فقدان العديد من العائلات لمساكنها، واضطرار الكثير من الشباب لترك مقرات عملهم نتيجة للأوضاع الخطرة في المدينة.
وأشارت إلى أنّ الليبيين قد تعودوا على صوت القصف والانفجارات، وأصبح تراكم القمامة والفضلات أمرا عاديا، باعتبار أن عمال النظافة في إضراب من أجل الحصول على مرتباتهم، كما أن الأوضاع الأمنية تمنعهم من إنجاز عملهم في شوارع المدينة وحمل النفايات إلى المكب البلدي.
كما أفادت بأن الوضع المتردي قد أجبر المدارس على الإغلاق لتتحول إلى أماكن إيواء للذين تدمرت منازلهم، واضطروا لمغادرة مناطقهم للنجاة، تاركين وراءهم معظم ممتلكاتهم، أما الذين لهم أقارب يلجاون إليهم فقد تحولوا للعيش معهم، وأصبح الاكتظاظ نمط عيشهم الجديد.
ونقلت الصحيفة عن سعيد عمامي، مسؤول في منظمة "بنغازي هي عائلتنا"، أن ما بين 1000 إلى 1250 عائلة قد تم إيواؤها في 61 مدرسة، بعد أن تعطلت الدراسة في أغلب أحياء المدينة.
وقالت الصحيفة إن الوضع الأمني المتدهور قد أثر على مجالي الاقتصاد والصحة، حيث يضطر الباعة إلى التخفيض في أثمان بضاعتهم، المحلية منها والمستوردة، نظرا لتدني القدرة الشرائية للسكان. كما اضطرت العديد من المستشفيات إلى الإغلاق، وأصبح المركز الطبي ببنغازي يعمل اليوم كمستشفى للطوارئ ينقصه 600 سرير، خاصة وأنه لا يزال يعتمد على ميزانية سنة 2013. وأشارت في هذا السياق إلى أن مدير المركز سالم لانغي، عبر عن تفهمه لموقف الدول التي لم ترغب بإرسال موظفي إغاثة، نظرا للوضع الأمني المتردي، ولكنه استنكر امتناعها عن إرسال المساعدات وخاصة الأدوية، حتى لو تطلب الأمر إلقاؤها من الطائرات بالمظلات.