كتاب عربي 21

السعودية الجديدة هي المُستهدفة لا حُسينيات القطيف

1300x600
من البديهيّات المعروفة في النظر إلى أي جريمة، تحديد الجهات المستفيدة من حدوثها، حيث أن العادة قد جرت بأن يكون للجاني هدفٌ أو أهدافٌ يرجو تحقيقها.

لا يختلف اثنان على أن المُستفيد الأول من تفجيرات القطيف هي إيران وأذنابها، ونُوضّح ذلك من خلال توقيت الحدث:

* يأتي هذا التفجير في المنطقة الشيعية بالسعودية، في وقت تقود فيه المملكة تحالفا ضد الانقلاب الحوثي في اليمن، والذي هو جزء حيوي في المخطط الإيراني لابتلاع المنطقة.

* نجحت إيران في السيطرة على العراق، وهي الحاكم الفعلي لسوريا، والمُتنفّذ الأول في لبنان عن طريق ذراعها حزب الله.. فمن تبقَّى لها غير اليمن وباب المندب للانطلاق منه للسيطرة على الخليج؟
والذي صنعت لها بداخله نفوذا قويا، بصفة خاصة في البحرين والكويت.

* عاصفة الحزم التي جاءت نتيجة لتغيُّر مجرى الأحداث في المملكة السعودية بتولّي الملك سلمان، والذي أظهر توجّها جديدًا في الإصلاح الداخلي، وفي السياسة الخارجية لبلاده، كان أبرزها مواجهة التمدد الإيراني.

عاصفة الحزم التي قادتها السعودية أوقفت الزحف الإيراني على اليمن، وانطلقت منه لدعم الثوار في سوريا بمشاركةٍ تركية، وهو ما ظهر أثره على المعارك المُتتالية التي انتصر فيها الثوار في الشمال السوري.

* وكما هو معلوم، فإن إسقاط نظام الأسد هو أشد ضربة يمكن توجيهها لإيران، لأنها تقصم هذا الحزام الشيعي وتفصم عنه هذه الحلقة المفصليّة الحيوية التي هي قاعدته للسيطرة على الخليج.

كما ويأتي هذه التفجير، في وقت أُجريت فيه المفاوضات بين واشنطن وطهران على النووي الإيراني، وقادت السعودية موجة تذمّر دبلوماسي لافتقاد قمة كامب ديفيد لضمانات أمن الخليج تجاه أي اعتداءات إيرانية.

* ويأتي التفجير كذلك في ظل التحالف بين السعودية، وبين تركيا والتي هي المنافس التقليدي لإيران في الإقليم رغم التعاون الاقتصادي والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث يأتي هذا التحالف على حساب النفوذ الإيراني في المنطقة.

أهداف فارسية

هذه المعطيات جعلت العديد من المُحلّلين والكُتَّاب السياسيين، يتّجهون لاتهام إيران بشكل أو بآخر بالضلوع في تلك العملية، والتي تطمح من ورائها في تحقيق الأهداف التالية:

أولًا: فتح جبهة داخلية تشغل بها الحكومة السعودية، وتخفف الضغط بها عن أذنابها في اليمن وسوريا.

ثانيًا: التلويح ضد السعودية بتُهمة الطائفية ورعايتها، وتصدير الإرهاب، وربط ذلك بكثرة أعداد السعوديين في الفصائل الجهادية التي تقاتل في الجبهات المختلفة.

ثالثًا: استثارة شيعة السعودية والتمهيد لثورة داخلية تُجبر السعودية على التعاطي (سلبا) او الخضوع للتحرّكات الإيرانية في المنطقة..

رابعًا: عرقلة ووأْد الخطوات التي اتّخذتها الحكومة السعودية نحو احتواء التيارات الإسلامية، بفتح باب للحوار، والتعامل معها باعتبارها  من مكوّنات النسيج المُجتمعي.

خامسًا: توسيع نفوذ الشيعة في المملكة ومنحهم استحقاقات جديدة، وتسوية أي نزاعات عالقة.. منها الأحكام القضائية بحقّ رموز شيعية، وتعزيز الخطاب حول المطالبة بإعادة توزيع عوائد النفط.

سادسًا: استثمار الحدث لتعزيز الخطاب الانفصالي للشيعة في المنطقة الشرقية والذي برز منذ عام 2008م، رغم المحاولات المستمرة من الحكومة السعودية لإدماج الشيعة في مشروع وطني وقطع
صلتهم بإيران..

سابعا: استثمار التفجير من قبل أذناب ايران وعملائها في الداخل السعودي  للتدشين لإنشاء ميليشيات مُسلحة على غرار الحشد الشعبي في العراق، بذريعة حماية الشيعة، وهو ما نُودي به بالفعل عقب التفجير من قبل بعض رموز الشيعة في القطيف.

إشكالية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) 

حُقَّ للمُعترض أن يدفع ذلك الكلام او يستبعد صحّته، بالبيان الصوتي الذي نُسب إلى مقاتلي الدولة الإسلامية في نجد، لكننا مع ذلك لابد وأن نُثير سؤالين من الأهمية بمكان:

أولًا: لماذا لم تُصدر القيادة العامة ومُتّحدثوها الرسميون في الدولة الاسلامية (بيانا) عن هذه العملية يتضمّن أنه من تخطيط وتنفيذ التنظيم؟

ثانيًا: لماذا اكتفت ببيان واحد رغم ردود الأفعال الصاخبة، وهو ما يتعارض مع النهج الإعلامي للتنظيم في الوقائع شديدة الأهمية، حيث جرت العادة أن تُصدر بشأنه بيانات متعددة، ولعل وقائع أسر وحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة شاهد على ما أقول، حيث كانت تصدر البيانات التي توضح وتبين وجهة نظر التنظيم، نظرا لأهمية القضية.

* لعل هذه التساؤلات -إضافة إلى ما سبق من الحديث عن إيران باعتبارها المستفيد الأول– قد دفعت بعض الأقلام لتكذيب البيان الصوتي المنسوب لـ"داعش"، منهم سعد الزنط، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية وأخلاقيات الاتصال، والذي كذّب –عبر مداخلة على قناة أون تي في- البيان، واتهم إيران بالضلوع في العملية، وبالمناسبة الزنط من المعارضين لعاصفة الحزم.

ولكننا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام اعتراضات أخرى تثير هذه التساؤلات:

أولًا: إذا كان البيان مكذوبا على داعش، فلم لم تصدر أي بيانات لتكذيبه؟

ثانيًا: إذا كانت العملية تمت من فصيل يتبع التنظيم فكريا وليس تنظيميا، بمعنى أنه يتبنى أفكاره الجهادية وينسب نفسه للتنظيم، فلماذا يدفع التنظيم ثمن ما فعله غيره؟ وبأي عقل وبأي منطق؟

وعلى كل حال..

إذا ثبت بيقين تورّط تنظيم الدولة في الحادث، فنحن أمام أحد الأمرين:

الأول: أن يكون الهدف منه الانتقام من الحكومة السعودية لكونها جزءًا من التحالف الدولي الذي يُنفّذ هجمات على مواقع التنظيم في العراق.

وفي هذه الحالة نسألهم:

لماذا لم تقوموا بذلك قبل أن يتولى الملك سلمان حكم البلاد ويطلق عاصفة الحزم؟
ولماذا السعودية تحديدا؟

مع أن استهداف المصالح الأمريكية أولى، ومع أن هناك من الدول العربية من يشارك بفاعلية أكبر في ذلك التحالف؟

ولماذا السعودية وهي تتصدى اليوم للمشروع الإيراني في المنطقة؟
ولماذا نفّذتم تلك العملية التي تدركون أن المستفيد الأول منها هي إيران؟

الثاني: أن يكون هناك صلة بين التنظيم وبين إيران، بمعنى أن العملية نفذتها داعش برعاية إيرانية.
وفي هذه الحالة أعتبرها بصفة شخصية صفقة تمت بين الجانبين، تحقق لكل منهما هدفه في زعزعة أمن المملكة، أو أن يكون التنظيم بالفعل مخترق في بعض دوائره القيادية، وهو ما كنتُ أرفض (مجرّد التفكير به فضلا عن قبوله)  في السابق.

وفي جميع الأحوال، فالسعودية الجديدة هي المستهدف، وإيران هي المستفيد الأول، وأهل السنة هم من يدفعون الثمن.

ويعلم قارئي جيدًا أنني لطالما دعمت التنظيم في قتاله ضد نظام الأسد والحكومة العراقية العميلة لايران عبر مليشياتها الطائفية المُختلفة، إلا أنني أرفض بشكل قاطع، أي عمليات تستهدف أمن المملكة السعودية أو تُعرقل مسيرتها الحالية، لأن استهدافها يعني إفساح المجال للمشروع الإيراني لمزيد من التوغل والتغوّل، وينبغي أن تأخذ الحكومة الجديدة فرصتها كاملة.. 

الحذر الحذر

إننا رغم إدانتنا لهذه الحادثة مهما كان فاعلها، إلا أنه لا ينبغي في ظل هذه الزوبعات التي يثيرها الشيعة في القطيف وغيرها، أن يُسمح لهم باستثمار الحدث لتحقيق مآرب طائفية.

* فالدولة السعودية من كبيرها لصغيرها أدانت الفعل، وإذا كان تنظيم الدولة الاسلامية هو الفاعل، فإن الحكومة في الأصل تُحاربه، وأدرجته في قائمة الإرهاب، فلماذا هذه الفعاليات المناهضة للحكومة من قبل شيعة القطيف؟

عليهم أن يقبلوا بالمُواطنة، التي تفرض عليهم التصرف كمواطنين سعوديين لا كطائفة خارجة عن السياق الوطني، فالقضية يجري التحقيق فيها على قدم وساق، وهذا ما يحدث في أي دولة تتعرّض لمثل هذه التفجيرات..

وبناء على ذلك، لا حق لشيعة القطيف وسواهم في استحقاقات جديدة داخل المملكة تُوسّع من نفوذهم الطائفيّ.. والا فليطرقوا بوابة ايران التي يعتبرونها (الوطن الأم) والملاذ الآمن لينعموا هناك بإنصافها وعدلها (مضرب المثل) مع مختلف مكوّنات الداخل الايراني..!!! 

* كما ينبغي أن نحذر في ظل التعاطف مع ضحايا الحادث، من نسيان الخطر الإيراني في المنطقة، والذي يستخدم الشيعة العرب كأداة في تنفيذ مخططاته لضرب هذه البلاد.

بل أرى أننا ينبغي أن نواجه هذا الزخم الإعلامي الشيعي بما هو أكبر منه، ونستعرض جرائمهم في شتى البلدان، ولندع أكذوبة التقارب ونطرحها جانبا، فهم يصرون على طائفيتهم، ونحن نعوّل على المواطنة.

هم يضغطون داخليا وخارجيا مُستثمرين الحدث، ونحن نُطأطئ الرأس خجلًا، فشيعة القطيف يُصعّدون، وحسن نصر الله في لبنان يدعو للتعبئة العامة، والملالي لا يكفون عن الصراخ وإلهاب العواطف.