كتاب عربي 21

حزب الوفد في رئاسة "سيد"!

1300x600
يا لها من نهاية أليمة لحزب عريق، ففي "بيت الطاعة"، القصر الجمهوري سابقاً، تمكن عبد الفتاح السيسي من أن يجمع الفرقاء في حزب "الوفد"، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، فقد خرجوا من هناك "صافي يا لبن، حليب يا قشطة"!

وأنا أتأمل تصريحات "الفرقاء السابقين" المنبطحة، الذين اجتمعوا في "بيت الطاعة"، تذكرت الأمل الذي أحياه "الوفد" في النفوس في غد أفضل، وذلك في عام 1984، عندما كان "فؤاد باشا" سراج الدين، رئيس الحزب، يزور المحافظات، فتخرج الجماهير لاستقباله، وكان رئيس الجمهورية يخاطبه بلقب "الباشا" مع أن الدستور ألغى الألقاب، وقبل أن يصبح رئيس "الوفد" يُخاطب باسمه مجرداً، "سيد"، من  شخص لا نعرف هويته، وهو الذي صرح بالمصير الذي سوف يلقاه الإخوان، وكيف سيتم ذبحهم في بيوتهم، وذلك لأن "سيد"، أخبره أن السماح بحوار مع المرشد العام في القناة التلفزيونية التي يملكها "الحياة"، ليس قراراً لمدير القناة "محمد عبد المتعال"، ولكن يأتي في إطار خطة منه حيث قرر خوض الانتخابات الرئاسية ويخطط لأن ينتخبه الإخوان!

تذكرت عندما كانت جريدة "الوفد" توزع أسبوعياً (750) ألف نسخة، ويكسر التوزيع حاجز المليون نسخة في هذه الفترة، عندما يكتب رئيس تحريرها الراحل "مصطفى شردي" مقاله، الذي لم يكن يهادن فيه السلطة القائمة!

تذكرت ما ذكره المستشار والمفكر سعيد العشماوي، الذي كان يحدثني كثيراً في جلساتنا الطويلة بمرارة عن "فؤاد باشا"، وعندما سألته ذات مرة عن سر هذه الجفوة، روى لي كيف أن "الباشا"، كان ينظر إليه على أنه ابنه، قبل عودة "الوفد" وأنه في وقت غضب السلطة عليه منذ بداية الحكم الناصري، كان لا يتوقف عن زيارته في بيته، ويستضيفه هو في منزله، وكيف أن بناته كن يتصلن به كلما مر "الباشا" بضائقة نفسية وامتنع عن الأكل، ليخرجه من هذه الحالة!

لكن حدث بعد ذلك ما لم يتوقعه المستشار العشماوي، فقد قرر "الوفد" التحالف مع جماعة "الإخوان المسلمين" في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في سنة 1984، وهو ما أزعج مبارك كثيراً، إذ يجري التحالف بين أقوى حزب معارض، وأقوى جماعة معارضة، واتصل مبارك بالعشماوي يطلب منه التدخل لما له من قبول لدى "الباشا" لوقف هذا التحالف.

قال العشماوي لمبارك، اطلب التدخل من "فلان"، وكان فلان هذا من القيادات القبطية بـ "الوفد". ورد مبارك أنه فعل، لكن الرجل والأمر متعلق بتحالف مع جماعة إسلامية، ولحساسية وضعه هو من اقترح وساطتك أنت!

انطلق العشماوي لحزب "الوفد" لأول وآخر مرة، وقابل "فؤاد باشا" وقال له إنه يرى أن الأجدر بـ "الوفد" أن يتحالف مع "مبارك"، فكلا من "الباشا" و"الرئيس" يمكن أن يشكلا تحالفاً ليبرالياً ضد الأفكار الظلامية. لكن "الباشا" أنهى اللقاء بقوله: إن مبارك خصمي وسأسقطه.

عاد سعيد العشماوي لمنزله ليتصل بمبارك، وقبل أن يروي له ما حدث، قال بمرارة لقد وصل إليه ما جرى.
وتذكرت عندما تزعم "الوفد" المعارضة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية في سنة 1990، وكيف أن "مبارك" وجد حكمه في موقف بالغ الحرج، فالتقى بـ "الباشا" يطلب منه التراجع عن المقاطعة، ونشرت صورة اللقاء في الصحف. ولم يتراجع "الوفد" عن قراره رغم أن الطلب كان من رئيس الدولة!

الآن "الوفد" الحزب الليبرالي العريق، يشارك في الغطاء المدني للانقلاب العسكري، وعندما يختلف قادته، فإنهم يتلقون دعوة من "كبير العائلة" عبد الفتاح السيسي فيغدون خماصاً، ويعودون بطاناً، ويعقدون اجتماعاً في اليوم نفسه لتذويب الخلافات، فإذا بالكلام الكبير عن الفساد المالي والسياسي يتبخر وتصبح مطالب القوم هي "التسكين" في المواقع الحزبية، وكأنها صدقة جارية، فقد وحدهم "السيد الرئيس"، بعد أن اكتشفنا أن زعامة "الوفد" انتقلت من "الباشا"، كما كان يناديه مبارك شخصياً، لـ "سيد"، على النحو الذي خاطبه به أكثر من مرة من سجل له التسريب الذي أذيع مؤخراً.

لم يعلن "السيد البدوي" من كان يخاطبه أكثر من مرة بـ "سيد"، مجرداً من الألقاب بما في ذلك لقبه العلمي "الدكتور" باعتباره صيدليا، ويعلن له في أمر كاشف عن المؤامرة على الثورة وجماعة الإخوان مبكراً، وأنهم سيقتلون في بيوتهم!

فمن هذا الشخص يا "سيد"، وما هو السر في التستر عليه؟!.. وهل هو صديق "سيد" اللواء "حسن عبد الرحمن" رئيس جهاز مباحث أمن الدولة في عهد مبارك؟!

القضية هنا تتجاوز حزب "الوفد"، الذي هو شأن خاص بأعضائه، ولا تثريب إن رأسه "سيد"، وذهب قياداته لمقابلة عبد الفتاح السيسسي، لا يملكون في مواجهته سوى السمع والطاعة بمن فيهم "سيد"؟!

ففي الواقع أن "سيد" كان طوال الوقت جزءاً من حسابات دولة مبارك، وكانت فضائيته "الحياة" جزءاً من الثورة المضادة، في أوج ثورة يناير، وقد عملت بها حرم عبد اللطيف المناوي مذيعة، بعد تركها للتلفزيون المصري بعد ثورة العاملين في المبنى، الذين احتجوا أن تكون هي وبعلها في تلفزيون الدولة المصرية، وعلى نحو كاشف بأننا في مواجهة "عزبة" ولم يكن مسموحاً سوى بعزبة واحدة تسود، هي عزبة مبارك، فرفع "السيد البدوي" الحرج عن القوم بفتح "الحياة" لها، التي كانت رافداً من روافد التلفزيون المصري الرسمي!

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فقد أفشل "السيد البدوي" التحالف الوطني، عقب ثورة يناير، الذي كانت تقوم فكرته على احتشاد القوى السياسية الحية، لخوض أول انتخابات بعد ثورة يناير، وكان هناك خوف من أن يعود الفلول لبرلمان الثورة، وخرج "الوفد" منه وكتبت مقالاً في جريدة "الأحرار" حمل عنوان "الوفد يخرق السفينة".. فهل كان الخروج قراراً "وفدياً"، أم من قبل هذا الذي خاطب المذكور بـ "سيد"، وكأن "سيد" ليس رئيساً لأعرق حزب سياسي في مصر!

الذي يعنيني هو صاحب هذا الصوت الجهوري، الذي حذر "سيد" بعد نجاح الشعب المصري في إسقاط حسني مبارك، ومع ذلك كان يخاطبه باسمه مجرداً ويكشف خطة القتل والتصفية الجسدية للإخوان المسلمين مبكراً، ولماذا يتستر عليه "سيد" فلا يذكر اسمه، وإنما يتلخص كل طلبه من "الرئيس" في وقف بث التسريبات عبر قناة يملكها من هو وثيق الصلة بالدوائر الأمنية، فيعتذر السيسي عن التدخل، ولم يبق إلا أن يقول له إن الإعلام في مصر مستقل يا "سيد"!

لقد كانت التسريبات، هي مجرد "قرصة أذن" لأن "سيد" تململ، لأنه فُرض عليه خوض الانتخابات البرلمانية، وفق قائمة وصفها هو بقائمة "المخابرات" التي يديرها الجنرال سامح سيف اليزل، الذي يتكلم باسم السيسي وباسم سلطة الحكم، دون أن نعرف الوضع الدستوري لسيادته!

"سيد" الذي حلم في التسريبات أن يكون رئيساً، تقلص حلمه في أن يشكل الحكومة، وهو ما لم يتمكن منه بعد أن فرض عليه الدخول في "قائمة سيف اليزل"، وقال إنها قائمة الفلول. وهو آخر من يحق له الاعتراض على الفلول، فقد كان من الأسباب التي أدت للخلاف بينه وبين الإخوان في الانتخابات الماضية، هو حرصه على أن يرشح فلولاً ضمن مرشحي حزب "الوفد".

والآن ليست المشكلة لها علاقة بالفلول، ولكن لأن حصره في قائمة بنسبة ضئيلة لن يمكنه من أن يصبح "جملة مفيدة" مستقبلاً.

لقد كان قرار السيسي أن ينهي رئاسة "سيد" لحزب "الوفد"، فكان تحريض "الخلايا النائمة" فيه، لكن الرسالة وصلت، والدكتور "السيد البدوي"، انكمش ليعود لمرحلة "سيد"، وقبل هذا وبعده، فإن عبد الفتاح السيسي وجد أن هناك من دخل على الخط، ليخطط للهيمنة على "الوفد" ويضمه إلى قائمة أحزابه، وهو نجيب ساويرس، فكانت الدعوة لـ "بيت الطاعة" ليقطع الطريق على ساويرس الذي تأذى من هجوم "البدوي" عليه، ووصفه في التسريبات بأن "طلع في المقدر"!

"السيسي" لا يأمن بوائق "نجيب ساويرس" شريكه الأصلي في الانقلاب، الباقي إلى الآن في الملعب، فماذا لو هيمن على "الوفد"؟! ومن قبل ذهب السيسي إلى الكاتدرائية ليقول للمسيحيين إنه أولى بهم من ساويرس، عندما كان التفكير في ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية.

لقد تمكن "السيسي" من إعادة "الوفد" إلى دائرة نفوذه هو، ولا تثريب عليه، فوفد "الباشا" لم يعد قائماً فنحن في مرحلة "سيد"، وما يشغلنا الآن هو من كان يخاطب رئيس "الوفد" باسمه مجرداً، ويعلن عن خطة ذبح الإخوان في بيوتهم، لأننا أمام جريمة مكتملة الأركان!

"سيد" من هذا الذي خاطبك بـ "سيد" وهدد وتوعد؟ فلن يفيدك الإنكار يا "سيد"!