أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن قادة دول
الخليج يرسلون إشارات متزايدة تعبر عن عدم رضاهم عن إدارة الرئيس الأمريكي باراك
أوباما، وذلك فيما يتعلق بسياساته في منطقة الخليج، حتى في الوقت الذي يحاول فيه أوباما طمأنتهم في لقائه معهم في
كامب ديفيد هذا الأسبوع، مع ذلك فهم غاضبون من البيت الأبيض، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات مع
إيران بشأن ملفها النووي، حيث تواجه السعودية وحلفاؤها من دول الخليج معضلة.
وتقول الصحيفة أنه حتى في الوقت الذي تقوم فيه دول الخليج بدور فاعل للدفاع عن نفسها، إلا أنها لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة في توفير الأمن لها.
وينقل التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، عن أستاذ اقتصاديات دول الخليج الفارسي من مدرسة الدراسات الدولية في جامعة هوبكنز جين فرانسوا سيزنك، قوله إن وضع اعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة يجب أن يتغير، وهم يعرفون أنه يجب أن يتغير".
وتستدرك الصحيفة بأن سنوات من التعاون وصفقات الأسلحة الأمريكية تجعل من الصعوبة وقف اعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة وبريطانيا. وتستضيف دولة قطر أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، فيما يتمركز الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، ولم تنجح دول الخليج في تحقيق شراكات مع الدول الإسلامية مثل باكستان ومصر، على الرغم من عشرات المليارات من الدولارات التي قدمت دعما لهذه الدول.
ويبين التقرير أن السعوديين يستخدمون الطائرات الأمريكية الصنع في الحملة ضد اليمن، ويقول سيزنك: "لن تحلق أي منها في حال رفضت الولايات المتحدة إرسال قطع الغيار".
وتلفت الصحيفة إلى أن الكثير من المخاوف التي عبرت عنها السعودية تجاه التحول في السياسة الأمريكية، عبر عنها بقوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فكل من إسرائيل والسعودية تخشيان من تحول تركيز أوباما بعد توقيع اتفاق مع إيران، التي تعدانها عدوانية بشكل كبير.
ويجد التقرير أن الشعور بالهجران أدى إلى أزمة ثقة بين دول الخليج وواشنطن، الأمر الذي بدا في إعلان الملك سلمان بن عبد العزيز عدم حضور القمة، وجاء الإعلان بعد أن أكد البيت الأبيض حضوره. وقال وزير الخارجية السعودي يوم الاثنين إن عدم الحضور لا علاقة له بالخلافات بين البلدين. ولن يحضر ملك البحرين القمة، ولن يحضرها سوى قادة دولتي قطر والكويت.
وتذكر الصحيفة أن المسؤولين الأمريكيين حاولوا جهدهم للتقليل من شأن هذا الأمر، حيث تحدث أوباما مع الملك سلمان بالهاتف يوم الاثنين، ولكن عدم رضا الملك كان واضحا. ويقول الدبلوماسي السابق والمحلل السياسي عبدالله الشمري: "هي رسالة دبلوماسية أن السعودية لا تتوقع أي شيء جديد من كامب ديفيد".
ويضيف الشمري للصحيفة: "الكل يعلم أن السعودية ليست راضية عن إدارة الرئيس أوباما، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصفقة مع إيران حول برنامجها النووي". وعبر الشمري عن الرأي العام بقوله إن الحل بالنسبة للسعودية هو تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وزيادة التعاون مع القوى الأخرى.
ويقول الشمري للصحيفة إنه "كما تحاول الولايات المتحدة التقليل من اعتمادها على النفط السعودي، فإن السعوديين يحاولون قدر الإمكان تقليل اعتمادهم على التحالف الأمريكي". ولكن السعودية تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، وبشكل أقل على بريطانيا في كل جانب من جوانب الأمن.
وينقل التقرير عن الباحث في معهد بروكينغز بروس ريدل قوله إن "سلاح الجو لم يكن قادرا على القيام بطلعات جوية دون دعم المدربين الأمريكيين وخدمات الصيانة وتدفق قطع الغيار والذخيرة".
وتكشف الصحيفة عن أن تقريرا أعدته خدمات البحث في الكونغرس أشار إلى أن قرار السعوديين لتحديث مقاتلات "إف-15" يعني تبعية دائمة من السعودية للولايات المتحدة، وذلك من أجل توفير قطع الغيار والتدريب الذي يقدمه المتعهدون الأمريكيون.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الولايات المتحدة تقوم بتحديث وتدريب الجيش السعودي. ويعمل الخبراء الأمريكيون، الذين تدفع رواتبهم السعودية، في قطاع الصناعة والطاقة والبحرية والأمن السايبري، بحسب ما جاء في تقرير الكونغرس.
وتورد الصحيفة أن السعودية وبريطانيا والولايات المتحدة تتعاون بشكل وثيق في مجال الاستخبارات، حيث يلتقي المسؤولون من هذه الدول الثلاث بشكل منتظم.
وتتابع "نيزيزرك نايمز" بأنه بالإضافة إلى هذا فإن العقود والاتفاقيات بشأن المقاتلات وصيانتها وقطع الغيار وبرامج الحاسوب قد تمتد لسنوات.
ويقول ريدل للصحيفة إن الحفاظ على العمليات الأمنية يجعل التعاون بين البلدين مستمرا. ويقول سيزنك إن السعودية أنفقت 500 مليار دولار خلال الـ 20 سنة الماضية، ذهب معظمها للولايات المتحدة، مشيرا إلى أن "هذه كمية ضخمة من المال".
ويذهب التقرير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تخشى من تركيز أوباما على توقيع صفقة مع إيران، ما يجعله يتجاوز عن تصرفاتها السيئة في المنطقة، خاصة من خلال دعمها لحلفائها ووكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وتخشى دول الخليج أن يؤدي رفع الحظر عن إيران بعد الاتفاق الى مواصلة تمويلها للوكلاء التابعين لها.
وتنقل الصحيفة عن سامي الفرج من المركز الكويتي للدراسات الاستراتيجية، قوله: "نفترض حدوث السيناريو الأسوأ، وهو مواصلة إيران إدارة سياستها الخارجية فيما يتعلق بتدخلات جديدة وبقوة ستحصل عليها من الاتفاق"، ويضيف "لقد تخلت عنا الولايات المتحدة وتركتنا وحدنا".
وينوه التقرير إلى أن بعض دول الخليج حاولت تنويع تحالفاتها، فقد وقعت قطر عقدا بالمليارات مع فرنسا، وفعلت دول خليجية أخرى الشيء ذاته. وأثنى قادة دول الخليج على الموقف المتشدد الذي أبدته فرنسا من إيران، ودعت الرئيس فرانسوا أولاند لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي التشاورية.
وتجد الصحيفة أنه في الوقت الذي يمكن لقطر ذات الجيش الصغير تنويع مصادرها العسكرية، إلا أن السعودية تحتاج إلى وقت أطول كي تدمج قدرات عسكرية من دول أخرى.
وبذكر التقرير أن السعودية طلبت مساعدة من دول شقيقة مسلمة، مثل باكستان للقتال في اليمن، ولكن ورغم التمويل السعودي للبرنامج النووي الباكستاني، وتقديمها دعما آخر طوال السنين الماضية، فقد شعر السعوديون بالصدمة عندما صوت البرلمان الباكستاني وبالإجماع ضد إرسال قوات إلى اليمن. ورفضت مصر، التي ظلت حكومتها عائمة بسبب الدعم المالي من دول الخليج، إرسال قوات برية إلى اليمن.
وتخلص "نيويورك تايمز" إلى أنه رغم تردد من اعتقد أنهم حلفاء، إلا أن دول الخليج يبدو أنها في بداية طريق طويل لتعلم الاعتماد على النفس. ويقول سيزنك: "إنهم يفضلون الولايات المتحدة أن تكون حاميتهم وراعيتهم، ولكنهم اكتشفوا أن عليهم الوقوف على أقدامهم والدفاع عن أنفسهم".