نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول سعي
السعودية للتواصل مع أبنائها الملتحقين بالتنظيمات المتشددة، لإقناعهم بالعودة إلى وطنهم ونبذ العنف، من خلال برنامج تابع لوزارة الشؤون الإسلامية تحت اسم "السكينة".
وذكرت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، أن عبد المنعم المشوح، الذي يدير
حملة السكينة منذ 12 سنة، يعلم الكثير عن السعوديين الذين سافروا للقتال في سوريا والعراق، ويعرف أسماءهم الحقيقية وأسماءهم الحركية، والمناطق التي ينحدرون منها، وخلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية، كما يعرف أيضا مواقعهم في سلم قيادة تنظيم
القاعدة أو
تنظيم الدولة.
وأضافت أن هذا الرجل، الذي يشغل منصبا هاما في وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة، يقضي كل وقته في متابعة أبناء وطنه المنتمين للجماعات المسلحة، ليدخل في عقولهم ويفهم كيف يفكرون وينجح في التأثير عليهم.
وقالت الصحيفة إن هذه حملة "السكينة"، تهدف إلى اعتماد وسائل الحوار والإقناع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لإقناع هؤلاء المقاتلين بالعودة لـ"الطريق السوي"، وتصحيح فهمهم لمواضيع حساسة مثل "التكفير في الإسلام"، والتأثير عليهم لإثارة حنينهم إلى وطنهم.
ونقلت الصحيفة عن عبد المنعم المشوح قوله: "نحن نخالط هؤلاء المقاتلين منذ انطلاق المشروع في سنة 2003، ونقوم بالاحتفاظ بتسجيلات لكل المحادثات، وكل الآثار التي تركوها على حساباتهم على الإنترنت، ونقوم بتعقبهم باستمرار".
ورأت الصحيفة أن فترة انطلاق هذا المشروع، الذي يهدف لدحض دعايات التنظيمات المسلحة على الإنترنت، كانت هي نفسها "الفترة الذهبية" التي ازدهرت فيها هذه التنظيمات واستفادت من تمويل بشري ومالي كبير من داخل المملكة السعودية. ففي خضم أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، التي تورط فيها خاطفون أغلبهم سعوديون، وجدت المملكة نفسها في قلب الإعصار، وكل الأصابع كانت موجهة لها.
وفي هذا السياق، نقلت عن عبد المنعم المشوح أن "المتشددين السعوديين في ذلك الوقت كانوا منتشرين في كل مكان، لقد كانوا يتكاثرون على شبكة الإنترنت بشكل سريع، وأصبح فكرهم ينتشر مثل الوباء. ولكن اليوم، أصبح عددهم في تنظيم الدولة أقل بكثير من الأوروبيين أو حتى التونسيين، كما أنهم غير موجودين في المراكز القيادية".
وقالت الصحيفة إن وزارة الداخلية السعودية أكدت التحاق 2300 سعودي بساحات القتال في سوريا، خلال السنوات الأربع الأخيرة، عاد منهم إلى حد الآن 645 شخصا، كما أن الكثيرين لقوا حتفهم في المعارك الدائرة هناك. ونقلت عن منصور التركي، الناطق الرسمي باسم الوزارة، إن عددهم في تناقص ملحوظ.
وقالت إن هذا التراجع الملحوظ كان نتيجة خطة مزدوجة، تعتمد على ثنائية استعمال القوة واستعمال الحجة والبرهان. وقد اضطلع بالمهمة الأولى رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في السنوات الماضية، محمد بن نايف، الذي يشغل اليوم منصب ولي العهد ووزير الداخلية ، أما المهمة الثانية فقد تم إنجازها من خلال عدة مبادرات تهدف إلى مواجهة المتشددين باعتماد سلاحهم المفضل: الدين.
وفي هذا السياق، قالت إن حملة السكينة فتحت مكاتب عديدة ووضعت فيها أشخاصا متخرجين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، التي تعتبر من أفضل الأماكن التي تقدم المعارف الدينية في المملكة، ويتكفّل هؤلاء بالتواصل مع العناصر المتشددة، عبر الموقع الرسمي لحملة السكينة وصفحاتها على تويتر وفيسبوك.
وبحسب الصحيفة، فإن الطريقة المعتمدة "لإعادة الشباب المغرر بهم إلى حظيرة المجتمع ودحض الأفكار المتشددة من عقولهم"، تقضي باللجوء لنفس المصادر التي يعتمدها هؤلاء، وهي غالبا كتابات ابن تيمية، أحد أشهر مراجع السلفية، ومحمد ابن عبد الوهاب، المنظّر للفكر الوهابي، وهو التيار الأكثر انتشارا في المملكة. ومن المبادئ الأساسية لهذا الفكر، أن الإسلام يحرّم الثورة ضد الحاكم الشرعي، وأن الجهاد لا يجوز إلا بطلب منه، وهو ما أكد عليه المفتي العام للمملكة في عدة فتاوى أصدرها.
ونقلت الصحيفة عن ستيفان لاكروا، الأستاذ الجامعي المتخصص في الشؤون السعودية، أن "المملكة تشهد صراعا بين السلفية المسالمة التابعة للنظام الحاكم، والسلفية الجهادية المعارضة للأوضاع، فأغلب العناصر المتأثرة بتنظيم الدولة مثلا ترفض الاعتراف بالنظام الملكي السعودي".
وأضافت الصحيفة أن الوعاظ الناشطين ضمن حملة السكينة على الإنترنت، يحاولون تجاوز هذه العقبات الدينية عبر استعمال حجج "أكثر دنيوية"، مثل إثارة العواطف المتعلقة برؤية الوالدين، لأن العلاقات الأسرية ورضا الوالدين تبقى أشياء مهمة في معتقدات وتقاليد المجتمع السعودي المحافظ.
كما نقلت عبد المنعم المشوح أن "الثقافة الدينية لعناصر تنظيم الدولة أقل صلابة من عناصر تنظيم القاعدة، فعناصر تنظيم الدولة يقررون فجأة وبدون تفكير عميق السفر للانضمام لهذا التنظيم، لذلك يسهل تغيير أفكارهم في أيام معدودة، ولكن بعد فترة يعودون للتمسك بأفكارهم.. إنهم غير مستقرين على المستوى النفسي والفكري".
وذكرت الصحيفة أنه تم في الفترة الأخيرة توجيه رسائل عبر تويتر لمئتي مقاتل سعودي ضمن صفوف تنظيمي الدولة والقاعدة، وتم في 60 في المئة من الحالات فتح نوافذ الحوار معهم، وهي نسبة النجاح الأفضل التي تسجلها حملة السكينة، وفي النهاية عبر 28 شخصا منهم عن رغبتهم في العودة.
وقالت الصحيفة، نقلا عن عبد المنعم المشوح، إنه "في هذه الحالات، يطلب منهم الاتصال بالسفارة السعودية الأقرب لمكان تواجدهم، وتنتظرهم الشرطة عند دخولهم التراب السعودي، وتنطلق مرحلة إعادة تأهيلهم في بلدهم، بعد أن يقضوا ما لا يقل عن ثلاث سنوات في السجن".