كتب نوزت جيجك: مع إعلان حزب العمال الكردستانيّ "بي كي كي" الإرهابي، لمؤتمرٍ عام يقرّر فيه ترك السلاح استجابةً لزعيمهم عبدالله أوجلان، المسجون في إحدى الجزر التركية ببحر مرمرة، فقد طرح البعضُ استفساراً عن ماهيّة نيّة التنظيم في إعادة سيناريوهات
العنف والعمليات الإرهابية للتنظيم في
تركيا. وللتوضيح، فإن العنف ظاهرة تتكوّن في المجتمعات التي يسودها الفساد وغياب العدالة بين المجتمع، وهو نتاجُ المجتمع المتخلّف، والعنف الذي مارسه التنظيم قبل عقدٍ أو عقدين كان نتيجة تفشّي الفساد والظلم في تلك الآونة. ولهذه الأسباب وجد التنظيم طرقاً تشرّع عملياته الإرهابية.
وانطلاقاً من هذه النقطة، فإنه مهما تعدّدت أيديولوجيات وفكر الإنسان فإنه سيبقى في خانة التخلّف ما دام يؤمن بالتوجّه إلى العنف، حتى وإن كان إسلامياً أو قومياً كردياً أو قومياً تركياً أو حتى علمانياً كمالياً.
ولذلك السبب، فإن المعوّل على العنف في تركيا ما زال يحمل براثن التخلّف في فِكره، وهو فكرٌ آيلٌ للزوال لا محالة.
فالمسألةُ إذن، أو القضيّةُ الكردية، لا يمكن أن تُحل إلا بالطرق والمشاريع الإنسانية. وهذه المشاريع يجب أن تبدأ بالحريّة الفكرية التي تتبنى الحقوق والحريات العامة، أي أن الحرية يجب أن تقدم خطة مشروع لحلّ المسألة الكردية في تركيا.
ونعلم أنّ الحرية أمانة في الإسلام، أي أنها مسؤولية، وأن تكون حراً بمراقبة الله لك، وشعورك بحس المسؤولية في ذلك. والحرية في المعنى اللفظي تعني الحرية في الاختيار دون أن يجبرك أحدهم في اختيارك، وهي موجودةٌ فينا بالفطرة. ولأن الحرية فطرة بداخلنا، فالحلُّ للمسألة يكمن بتبني فطرة الإنسان. وللأسف فإن المسؤولين قبل عقدٍ أو ثلاثة عقود فرضوا أنفسهم على هذه الفطرة، وأوصلوا حال البلاد إلى طريقٍ مسدود. ومثلهم تنظيم "بي كي كي" الذي تعدّى على فطرة الإنسان والشعب، وأوصلنا إلى ما نحن عليه، حيث تفاقم العنف في العقود الثلاثة الأخيرة في البلاد.
أولوية الحريّة تتقدم على الديمقراطية في حلّ المسألة الكردية. فالديمقراطية منظومةٌ لا تتعدى التغيير في السلطة بين الأحزاب أو الأشخاص. ولذلك السبب، فهي مفتوحةٌ أمام التغيير والتطوير والتعديل أو حتى التبديل. وفي المنظومات الديمقراطية، وعبر مراحل التاريخ حدثت خلافاتٌ بين المبادئ والقيم والفكر. لذلك، فإن الديمقراطية مفهومٌ يتغيّر لدى كل إنسان. وأما الحرية فهي هبةٌ من الله لعباده، وهي حقٌ لكل إنسان، وهنا يكمن الحلُّ للمسألة الكردية.
بغّض النظر عن جنسيته أو لونه أو إيمانه أو حتى مستواه الاجتماعي، فالإنسان مخلوقٌ مكرّم. ولذلك فهو يستحقُ الاحترام في حياته وبعد مماته. والحرية والكرامة تليقان بالإنسان، لأن الإنسان حرٌ ومكرّم من الفطرة. والحرية لا يعود لها أيّ معنىً إذا تجرّد الإنسان من العدالة أو الإحسان. والمهم هنا ألاّ تناقض الحرية نفسها، من خلال التعدي على حرية الآخر، لأن ذلك يولّد العنف والكراهية.
إن كان أحدهم يدّعي حلّ القضية الكردية بالعنف أو إجبار
حزب العمال الكردستاني على ترك السلاح بالقوة، فإنه يكون قد تدخّل في فطرة الإنسان. لذلك؛ فالحلّ للمسألة الكردية بيد الأطراف المعنية بالحل.. هم فقط بحاجة للعودة إلى الفطرة لا أكثر.
(عن "ديريليش بوستاسي"- ترجمة وتحرير: تركيا بوست)