حماس تقول إن الاتجاه نحو دور سعودي في شأن تحقيق اتفاق (مكّة-2)، بشأن تحقيق
المصالحة مع حركة
فتح، ليس بديلا عن الدور المصري، لكنها في الحقيقة تقول ذلك من وراء قلبها، بسبب شعورها بأن المصريين لن يكونوا بأي حال إلى جانبها، ليس لعدم الموازنة بين الحركتين (شرعيّة)، وإنما بسبب أن دورهم سيكون مرتبطا برغباتهم الآنيّة أولا، وبما يتفق مع مصالحهم الاستراتيجية المستقبلية أيضا.
ربما كان ذلك صحيحا، في ضوء أن حماس، لدى شعورهم ووجدانهم، ليست من الفصيلة التي يمكن ترويضها أو الوثوق بها الآن أو في المستقبل أيضا، كونها حركة تتبع جماعة الإخوان المسلمين وتتبنى نهجها، بعكس
السعودية التي لا تحمل غِلا ذا شأن، وليست على عداء متراكم معها، كما أنها لا تُخفي رغبتها في تسيّد المنطقة، سيما بعد النقلات السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية المتتالية، التي تخللت الفترة الأخيرة.
وفي إطار ما سبق، يمكن القول بأن قرب السعودية إلى حماس، قد أصبح مساويا أو أكثر للقرب الحاصل بين السلطة الفلسطينية ومصر، خاصة بعد تتبع الخطوات الدبلوماسية المتبادلة الأخيرة، التي كانت إيجابية جدا، نظرا لأن السعودية شاهدت قدرها وشعرت بقيمتها، عندما أدارت حماس ظهرها إلى الجمهورية الإيرانية باتجاهها، لرؤيتها تلك الخطوة مغنما، لا تريد أن يضيع من بين يديها بسهولة، سيما أن إيران ما فتئت تفاخر على الملأ والسنّي تحديدا، بأنها تضع أقدامها في مراكز الشعوب السنيّة، وبضمنها حركة حماس في قطاع غزة.
إن حماس لا تخطئ -في نظرها على الأقل- عندما قامت بحض السعودية بغرس يديها في قضية المصالحة، من أجل نسج اتفاقية تصالحيّة أخرى، باعتبار أن الأيدي السعودية، إن لم تنفعها في شيء، فإنها لن تضرّها في أي شيء أيضا، وذلك ترتيبا على تجربتها لأنفاسها (الشرعيّة) السابقة، عندما أخرجت اتفاق (مكة-1) عام 2007، وكان جيّدا بالنسبة لها، وإن تم إفشاله في أوقات لاحقة، بسبب اتهامات متبادلة بحرف مواد الاتفاق الحاصلة عن مواضعها.
كما أن في حماس، وسواء كانوا من المتشددين كالقيادي "محمود الزهار" أو الأقل تشددا، كرئيس الوزراء لحكومة القطاع السابق "إسماعيل هنية"، يعلقون آمالا كبيرة على المملكة، التي مرّت بتغييرات واسعة منذ رحيل الملك "عبد الله بن عبد العزيز " التي تضمنت ضرورة توحيد جبهة سنيّة موحدة، تشمل منطقة الشرق الأوسط كلها، أملا في أن تمارس من خلالها ضغوطا على السلطة الفلسطينية، من أجل تقديم موافقات زاهية، تتلاءم وشروط وطموحات الحركة.
تأتي مساعي حماس في هذا الاتجاه لأسباب كثيرة ومهمّة في الوقت ذاته، أولها: هو تسجيلها نقطة لدى حركة فتح، لعلمها بأنها لن توافق عليها، وبأنها لن تلقَ أي ترحيب بشأنها. وثانيا : من أجل الضغط على فتح، من خلال التعلّق بطرف محوري، له القدرة على منافسة الدور المصري، الذي عجز إلى حد الآن إلى إيجاد حلول، وإن بحجة عدم انسجام الحكومة المصرية أو استساغتها، لإدارة الملف أو حتى التحدّث مع حماس، برغم إسقاطها صفة الإرهاب عنها، وقيامها بإزالة الهجومات السياسية والإعلامية ضدها.
ثالثا : إن حماس تهدف إلى تقويض الأفكار التي نشأت لدى السلطة الفلسطينية وحركة فتح أيضا، التي تقوم على أنها بصدد السعي إلى فصل القطاع عن الضفة الغربية، من خلال سعيها إلى إقامة دولة صغيرة داخل القطاع بموافقة إسرائيلية ودعم أمريكي وجهات غربية أخرى.
ورابعا، وهو الأهم: هو ما تعلنه حماس صراحة، من أنها بصدد خطة سياسية تهدف إلى إبرام هدنة طويلة مع إسرائيل، بسبب اضطرارها إليها، في عدم وجود مصالحة، ومن أجل فك الحصار المفروض منذ 2006، وتأتي أهميّة هذا البند، كونه جاء على المنطقة الموجعة لدى السلطة، بسبب أن تنفيذها يعني إسقاط المشروعات الفلسطينية من جذورها، والأصعب هو أن إسرائيل تبدي رغبتها بالعمل في هذه الاتجاه.
السعودية، وإن كان في نيّتها تبنّي الدعوة الحمساوية، فهي بالتأكيد لن تذهب ناحية إهمال الخطوط العريضة للاتفاقات التصالحيّة السابقة، سواء التي تحددت باتفاق مكة أو الدوحة أو القاهرة، كما لن تكون مندفعة تماما بمفردها -ظاهرا على الأقل- وضمن هذا الإطار، فإن العاهل السعودي "سلمان بن عبد العزيز" عرض على الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" تلك المسألة، خلال القمة التي جمعتهما أوائل هذا الأسبوع في العاصمة الرياض.
بالنسبة لحركة فتح، التي كانت تأخذ راحتها وتنام ملء جفنيها على البساط المصري، لم تحفل مطلقا بتلك المساعي، واعتبرتها غير مقبولة لديها ولا مغفورة، بحجة أنها لن تؤدّي إلى اتفاقية أخرى، وبأنها لن تؤدّي إلى تحسين الأوضاع الفلسطينيّة، وكان الأجدر -في رأيها- هو الانتباه إلى الاتفاقات السابقة، التي هي واجبة الاستحقاق منذ إعلانها. والأهم، هي مخاوفها، برغم علاقاتها الجيدة مع السعودية، من أن تتلقى ضغوطا ملكيّة أقوى، نظرا لحاجاتها الضرورية، حيث إنها ستكون مضطرة إلى قبول أيّ ضغوطات، بسبب ارتباطها بالدعم السياسي والمالي أيضا.