كتاب عربي 21

هل أصيب البغدادي ومن هو الخليفة المنتظر؟

1300x600
منذ صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتمدده في بلدان عربية وإسلامية عديدة، وبروز خلاياه النائمة وذئابه المنفردة في أصقاع الأرض الواسعة، أصبحت أخبار التنظيم عموما وزعيمه أبو بكر البغدادي مادة مفضلة للأخبار والتحليلات والروايات والشائعات، وعلى مدى أشهر، تكاثرت الأنباء حول إصابة زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبي بكر البغدادي، بحيث لم يعد قادرا على قيادة التنظيم، بل ذهبت بعض المصادر إلى الجزم بمقتل البغدادي، وتعيين خليفة له، ولم تقف التكهنات والشائعات عند حدود مسألة خليفة البغدادي المحتمل، بل ذهبت إلى التأكيد أن تنظيم الدولة دخل في حالة من الارتباك والنزاع والخلاف والصراع بين مراكز القوى داخل التنظيم تؤذن بتفككه وانهياره وأفوله.

لم تنقطع الشائعات المتعلقة بإصابة البغدادي أو مقتله منذ توليه قيادة التنظيم في 16 أيار/ مايو 2010، عقب مقتل أبي عمر البغدادي في 19 نيسان/ أبريل 2010، وقد تكاثرت الإشاعات حول إصابة أو مقتل البغدادي بعد سيطرة التنظيم على الموصل في 10 حزيران/ يونيو 2014، ثم الإعلان عن قيام دولة "الخلافة" في 29 حزيران/ يونيو 2014، وتنصيب أبي بكر البغدادي خليفة، وتواترت الإشاعات مع بدء الضربات الجوية الأمريكية على معاقل التنظيم في العراق في 8 آب/ أغسطس 2014، ثم توسعها لتشمل استهداف التنظيم في سوريا بدءا من 22 أيلول/ سبتمبر 2014، حيث تم الإعلان عن إصابة البغدادي وقتله مطلع تشرين ثاني/ نوفمبر 2014.

عقب انشغال العالم بالشائعات التي ترددت حول مقتل أو إصابة زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية"، أبي بكر البغدادي، ظهر في تسجيل صوتي صادر عن مؤسسة الفرقان بعنوان "ولو كره الكافرون" في 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2014، ولم تنقطع الإشاعات، حيث تم الإعلان عن إصابة البغدادي وقتله في كانون أول/ ديسمبر 2014، وتكررت في كانون ثاني/ يناير 2015، ومطلع آذار/ مارس 2015، حيث خرج الناطق الرسمي باسم الدولة الإسلامية أبو محمد العدناني في رسالة صوتية بتاريخ 12 آذار/ مارس 2015 بعنوان "فيقتلون ويقتلون"، مؤكدا أن البغدادي يقوم بمهام الخلافة، ويؤكد ضمنا على كذب الإشاعات حول إصابة البغدادي.

تواترت الشائعات حول إصابة البغدادي عقب كلمة العدناني بتحديد تاريخ جديد لإصابته في 18 آذار/ مارس 2015، وقد سرت الإشاعة، وانتشرت سريعا، وباتت خبرا رئيسا لعدد من وكالات الأنباء والصحف العالمية، فضلا عن العربية، وتستند رواية إصابة أبي بكر البغدادي إلى سردية ركيكة بدأت في 20 نيسان/ أبريل 2015، حيث سربت أجهزة الأمن العراقية معلومات تفيد بأن غارة جوية لقوات التحالف الدولي استهدفت موكباً من ثلاث سيارات في 18 آذار/ مارس 2015 في منطقة البعاج غرب مدينة الموصل وأدت إلى إصابة البغدادي ومقتل ثلاثة آخرين، دون أن يكون المسؤولون على علم بوجوده ضمن الموكب. 

وأكدت التسريبات على أن البغدادي لا يزال يتعالج من شدة الإصابة التي تسببت بعجزه عن قيادة التنظيم، إلا أن وزارة الدفاع الأميركية أكدت أن الجيش الأميركي "لا يرى سبباً للاعتقاد" أن البغدادي قد جرح، حيث قال المتحدث باسم البنتاغون العقيد ستيف وارن، في اليوم التالي 21 نيسان/ أبريل 2015، إن المعلومات التي تشير إلى إصابة زعيم تنظيم الدولة الإسلامية بجروح بليغة سبق أن انتشرت في منتصف آذار/ مارس، واعتبرت وزارة الدفاع يومها أن لا شيء يشير إلى أن البغدادي قد أصيب أو قتل، وأضاف وارن أن زعيم تنظيم داعش لم يكن هدفا للغارات التي جرت في ذلك اليوم.

لم تقف الشائعات عند خبر إصابة البغدادي وعجزه عن القيام بمهام قيادة التنظيم، بل أكدت أن الخليفة المنتظر هو عبدالرحمن مصطفى أبو علاء العفري، وكنيته "أبو سجى"، الذي يعرف وسط قيادات تنظيم الدولة باسم "الحاج إيمان". 

وبحسب السيرة الأسطورية المتخيلة للعفري التي نسجتها مخيلة الأجهزة الأمنية العراقية والصحافة المحلية والدولية، فإن العفري عراقي الجنسية، حيث ولد في منطقة الحضر، التابعة لمنطقة آل هدار التي تبعد 80 كم جنوب مدينة الموصل بمحافظة نينوى العراقية، وتعلم في مدارس مدينة الموصل، والتحق بجامعتها، ودرس الفيزياء، وبعد تخرجه، تم تعينه مدرسا لمادة الفيزياء في مدينة تلعفر العراقية بمحافظة نينوى، وقد تبنى الأفكار الجهادية في فترة مبكرة من عمره، وسافر إلى أفغانستان عام 1998م، ثم عاد إلى العراق عقب الاحتلال الأمريكي 2003 بعد تأسيس أبي مصعب الزرقاوي لجماعة التوحيد والجهاد، ثم الانضمام لتنظيم القاعدة 2004، ليصبح قيادياً بارزاً في التنظيم. 

وبعد تولي أبي بكر البغدادي زعامة التنظيم أصبح من أشد المقربين إليه، نائبا له، ورئيسا لمجلس الشورى، والمستشار الشرعي للبغدادي، كما تولى مناصب عديدة ومنها: المنسق العام لشؤون الشهداء والنساء، ووزيرا للشؤون الاجتماعية، ورئيس مجلس الشورى ومسؤول التنسيق بينه وبين المقربين منه ومحافظي محافظات التنظيم.

لا شك بأن المعلومات المتعلقة بأبي العلاء العفري وتاريخه الجهادي صحيحة، إلا أن المعلومات المتخيلة حول مهامه الأسطورية داخل تنظيم الدولة الإسلامية، وقدراته الخرافية من نسج الخيال؛ إذ أضافت المصادر ذاتها إلى مهامه السابقة مسؤوليته عن المجلس العسكري والمجلس القضائي والشرعي والإعلامي، بل ذهبت بعض التقارير إلى أن العفري هو رئيس مجلس الأمن والاستخبارات أبو علي الأنباري، وهي معلومات خاطئة تماما، إذ تقتصر مهام أبو علاء العفري على منصب والي ولاية "الجزيرة"، وهي ولاية أعلن تنظيم الدولة الإسلامية عن تدشينها في شباط/ فبراير 2015 في العراق، وتضم أجزاءً من ولاية "نينوى" وولاية "الفرات"، وهي مناطق سنجار، وتل عبطة، والمحلبية، وتلعفر، وزمار، والبعاج، وغيرها"، وقد أعلنت الأجهزة الأمنية العراقية عن مقتل العفري مرات عديدة كان آخرها في آب/ أغسطس 2014.

إذا كانت الأخبار حول إصابة البغدادي خاطئة وركيكة، فإن الأنباء حول تولي أبي علاء العفري لمنصب الخليفة، وسط الحديث عن خلافات داخل تنظيم الدولة الإسلامية، هو أشد ضعفا ولا يتمتع بمصداقية، كما أن تنظيم الدولة الإسلامية حسم خياراته المتعلقة بالهيكل التنظيمي للدولة الإسلامية منذ الإعلان عن تأسيس دولة العراق الإسلامية 2006، حيث أصدرت مؤسسة الفرقان الإعلامية لقاعدة العراق، التي باتت تتبع وزارة الهيئات الشرعية التابعة للكيان الجديد، كتابا تبرر فيه فقهيا قرار إعلان الدولة، كتبه مسؤول الهيئة الشرعية عثمان بن عبد الرحمن التميمي بعنوان "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام"، يحشد فيه أدلة وجوب قيام الدولة، على أسس فقهية شرعية وضرورات حداثية، إذ يتولى "الخليفة" الذي يجمع شروط الولاية كالعلم الشرعي والنسب القرشي وسلامة الحواس، سائر الوظائف الدينية والدنيوية المذكورة في التراث السياسي الإسلامي السني وفقه الأحكام السلطانية، كقائد ديني وسياسي له حق الطاعة بعد اختياره من قبل مجلس الشورى وأهل الحل والعقد، ولذلك جاء تعيين أبي عمر البغدادي باعتباره عربيا قرشيا هاشميا حسينيا.

وعندما أعلن عن مقتل أبي عمر البغدادي في 19 نيسان/ أبريل 2010، إلى جانب وزير حربه، أبي حمزه المهاجر، بادر تنظيم دولة العراق الإسلامية، في بيان مجلس شورى المجاهدين بتاريخ 16 أيار/ مايو 2010، إلى القول بأن الكلمة قد اجتمعت على بيعة أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي أميرا للمؤمنين في دولة العراق الإسلامية، وكذا على تولية أبي عبد الله الحسني القرشي وزيرا أول ونائبا له، وإذا صحت الإشاعات حول إصابة البغدادي أو مقتله، فإن التنظيم سوف يقوم بتقديم نائبه أبي عبد الله الحسني القرشي، أو غيره ممن تتوافر فيه شروط الخلافة، وفي مقدمتها مسألة النسب، أما أبو علاء العفري، فلا تنطبق عليه الشروط، فهو تركماني من تلعفر، ولا يتمتع بمكانة مرموقة في صفوف التنظيم، ولا يعَدَّ من قيادات الصف الأول.

خلاصة القول أن الأخبار الشائعة حول إصابة أبي بكر البغدادي، وعدم قدرته على القيام بمهامه، لا تتمتع بالمصداقية، ولا أساس لها في الواقع، وهي تقع في إطار الشائعات والحرب النفسية، كما أن تنظيم الدولة الإسلامية يتوافر على منظمة بيروقراطية متماسكة وهياكل تنظيمية صلبة لا تتأثر بإصابة أو مقتل أحد قياداتها العليا، فالأساس الإيديولوجي الفقهي في تعيين أو عزل الخليفة أو رؤساء المجالس التشريعية والتفيئة والقضائية ينطوي على لوائح وأنظمة وتشريعات راسخة بفعل الخبرة التاريخية للتنظيم، والسلطة المرجعية الفقهية الحاسمة في ضمان أخلاقيات الطاعة وحسم الخلافات الممكنة. 

وبهذا، فإن الحديث عن تولي أبو علاء العفري منصب الخليفة لا يستند إلى الحقيقة، فهو لا يتمتع بنسب قرشي يؤهله لهذا المنصب الخطير، كما أنه لا يعدّ من قيادات الصف الأول، وقد برهن التنظيم في أشد حالاته ضعفا على قدرته على الحفاظ على بنية هيكلية متماسكة وصلبة، وجرت عملية انتقال السلطة من الزرقاوي إلى أبي عمر البغدادي، ومنه إلى أبي بكر البغدادي، بسلاسة ويسر ودون خلافات ونزاعات وصراعات داخل بنيّة التنظيم، وفي حال إصابة أو مقتل البغدادي، فسوف تنتقل سلطاته إلى نوابه، ممن تتوافر فيهم الشروط الضرورية عبر مجلس الشورى وأهل الحل والعقد في الدولة الإسلامية.