رأى خبيران عسكريان سوريان، أن محافظة
اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينحدر منها رئيس النظام
بشار الأسد ومعظم رموز حكمه وقادة أجهزته الأمنية، لن تكون هدفا تاليا لتقدم مقاتلي المعارضة على الرغم من أهميتها الاستراتيجية وسيطرتهم قبل أيام على مناطق في أطرافها.
وقال ابراهيم الجباوي الضابط برتبة عميد في جيش النظام السوري قبل انشقاقه عنه عقب اندلاع الثورة في البلاد آذار/ مارس 2011، إنه على الرغم من أهمية اللاذقية الاستراتيجية بالنسبة لبقاء النظام وحسم المعركة لصالح قوات المعارضة والإطاحة به، فإنها لن تكون وجهة تالية لتقدم "الثوار" في المرحلة الحالية.
وأوضح الجباوي المحلل العسكري والاستراتيجي أن الأولوية الحالية أمام قوات المعارضة تكمن في استكمال السيطرة على المناطق القليلة التي لا تزال قوات النظام تسيطر عليها في ريف إدلب، وكذلك منطقة سهل الغاب بريف حماة، والمحافظتان مجاورتان للّاذقية.
وأشار إلى أنه في التكتيك العسكري "لا يجوز الإقدام على التوغل أو اقتحام مناطق جديدة وخلفية المهاجمين أو خاصرتهم مكشوفة للعدو، ومع بقاء جيوب لقوات النظام في ريف إدلب ومناطق في سهل الغاب لا ينبغي على مقاتلي المعارضة التقدم باتجاه اللاذقية".
واستدرك بالقول إنه "لا بد من تأمين ظهر مقاتلي المعارضة والجهة المكشوفة لقوات النظام لكي يتسنّى لهم الزحف غربا (نحو اللاذقية)".
من جهته، وافق مجاهد سمعان العقيد المتقاعد في جيش النظام السوري، على ما ذهب إليه الجباوي، من أن اللاذقية لن تكون هدفا تاليا لتقدم مقاتلي المعارضة في المرحلة الحالية، إلا أنه أضاف إلى الأسباب التي أوضحها الأخير سببا جديدا متمثلاً بعدم الحصول على "الضوء الأخضر لشن الهجوم على منطقة الساحل ذات الغالبية العلوية".
ورأى سمعان أنه "يوجد إجماع دولي وغربي وحتى لو لم يكن معلنا، على أن لا تتقدم قوات المعارضة في محافظة اللاذقية أو منطقة الساحل عموما، كون غالبية سكانها من الطائفة العلوية، وهذا الأمر متعلق بالرأي العام وعدم التعرض للأقليات (لا يتجاوز عدد
العلويين من عدد سكان
سوريا الـ10 بالمئة فقط)".
واعتبر الخبير العسكري أن "الفيتو" على شن الهجوم على اللاذقية، قد يكون مناسبا في المرحلة الحالية، خاصة أن أمام قوات المعارضة أولوية استكمال تطهير باقي المناطق في ريفي إدلب وحماة قبل شن الهجوم الأخير على اللاذقية والساحل عموما، والذي سيكون بمثابة "الضربة القاضية" للنظام.
وأضاف الضابط المتقاعد أن في اقتحام اللاذقية صعوبة عسكريا، تتمثل في أن المهاجمين يقتحمون أرضا لا يحظون فيها بقاعدة شعبية واسعة، بل على العكس تتواجد فيها قاعدة شعبية معادية في غالبيتها ومقاتلون لديهم خبرة في الأرض.
ولم تشهد منطقة الساحل عموما التي تضم محافظتي "اللاذقية وطرطوس" ذات الغالبية العلوية (الطائفة العلوية إحدى فرق الشيعة)، أحداثا أمنية كبيرة خلال سنوات الصراع الذي دخل عامه الخامس، باستثناء معركة "الساحل" التي أطلقتها فصائل إسلامية وأخرى في الجيش الحر في آذار/ مارس 2014، واستهدفت مناطق تسيطر عليها قوات النظام شمالي محافظة اللاذقية التي يلقبها موالو النظام بـ"عرين الأسد" كونها مسقط رأس حافظ الأسد رئيس النظام الراحل وابنه بشار.
واستطاعت قوات المعارضة خلال المعركة المذكورة السيطرة على مدينة "كسب" الاستراتيجية شمالي اللاذقية، ومعبرها الحدودي مع تركيا، وعلى قرية وساحل "السمرا" أول منفذ بحري لها على البحر المتوسط، وعدد من المواقع الأخرى القريبة منها، قبل أن تتمكن قوات النظام من استعادتها بعد أسابيع.
والأسبوع الماضي، وضمن معركة أطلق عليها "معركة النصر"، سيطرت فصائل معارضة منضوية في غرفة عمليات "
جيش الفتح" بشكل كامل على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية المجاورة لمحافظة اللاذقية، كما أنها سيطرت بعدها على معسكر "القرميد" أكبر معاقل النظام العسكرية في ريف إدلب.
وسبق ذلك بأسابيع قليلة سيطرتهم على مدينة إدلب بالكامل لتكون ثاني مركز محافظة خارج سيطرة قوات النظام بالكامل بعد مدينة الرقة (شمالا).
ولم يتبق تحت سيطرة قوات النظام سوى بعض المناطق في ريف إدلب، ومن أبرزها معسكر "المسطومة"، الذي يسعى "جيش الفتح" منذ أيام لمحاصرته والسيطرة عليه.
ويتشكل "جيش الفتح" من فصائل سورية معارضة معظمها إسلامية، أبرزها: جبهة النصرة، وحركة أحرار الشام، وجيش الإسلام، وجبهة أنصار الدين، وألوية الفرقان.
ويأتي هذا التقدم لـ"جيش الفتح" بالتزامن مع تمكن فصائل المعارضة المشاركة في "معركة سهل الغاب" (معظمها إسلامية مثل "حركة أحرار الشام" و"جبهة الشام" و"صقور الجبل")، من التقدم والسيطرة على معظم حواجز قوات النظام في منطقة سهل الغاب بريف حماة، والمجاورة للاذقية وهي تسعى لاستكمال السيطرة على باقي الحواجز فيه.
تأتي هذه التطورات على الأرض في ظل توجيه المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا دعوة للنظام ولأطياف في المعارضة للمشاركة في لقاء من المقرر أن يعقد في جنيف السويسرية مطلع أيار/ مايو المقبل، بهدف التشاور في إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا، التي سقط نتيجة الصراع المستمر فيها، أكثر من 220 ألف قتيل، إضافة إلى نزوح أكثر من 10 ملايين سوري عن ديارهم إلى داخل البلاد وخارجها.