فى الدور العاشر من عمارة مميزة تطل على النيل فى الزمالك، ضغطت على جرس إحدى الشقق مساء الأحد الماضى. على باب الشقة كانت هناك قطعة خشبية مكتوب عليها بخط رفيع جدا وجميل: «إحسان عبدالقدوس». إذن هذه هى الشقة التى عاش فيها أديب مصر الكبير وكاتبها الصحفى المتميز وابن واحدة من اهم رواد الصحافة في مصر فاطمة اليوسف.
البناية بأكملها تنتمى لزمن العمارة والمعمار الجميل، فى كل شيء من أول أناقة الأسانسير الخشبى القديم، إلى السقف المرتفع نهاية بشكل البلاط والرخام فى الممرات.
هذه الشقة يعيش فيها الآن الكاتب الصحفى محمد عبدالقدوس وزوجته المحترمة ابنة الشيخ الجليل محمد الغزالى. فتح لى الأستاذ محمد الباب لأجد جميع أعضاء مجلس نقابة الصحفيين موجودين إضافة إلى بعض رؤساء تحرير الصحف المصرية وكبار الكتاب فيها يتجادلون ويتناقشون ويأكلون فى جو من الود والمحبة.
محمد عبدالقدوس من القلائل فى مصر وربما العالم العربى الذى لا يخفى انتماءه لجماعة
الإخوان، ورغم الموجة الشعبية الكاسحة التي تعارض كل ما هو إخواني بعد 30 يونيو 2013، فإن حب غالبية الناس وتقديرهم لمحمد عبدالقدوس لم يختلف أو يتراجع.
الكثيرون يحبون عبدالقدوس لأنه خلوق ومحترم ومهذب ومتعاون وبشوش وليس لأنه إخواني، ولذلك كان الصحفي الوحيد تقريبا الذى يتم انتخابه فى غالبية مجالس النقابة في السنوات الماضية وبأعلى الأصوات.
ولأنه ذكي، فقد قرر ألا يترشح في المجلس الأخير، ورغم ذلك يصر على المرور على جميع الصحف ويسلم على كل العاملين فيها من عمال البوفيه إلى رؤساء مجالس الإدارات فى كل الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية.
فى بيت محمد عبدالقدوس الإخوانى تجد لوحات فنية جميلة معلقة على حوائط الصالون، تشعر بروح الأديب الكبير إحسان عبدالقدوس تحوم فى المكان ورائحة الكتب تسكنه، وإذا مزجت بين أدب ونبوغ إحسان، وطيبة محمد عبدالقدوس، وسكينة زوجته وكرمها الحاتمى ستحصل فورا على حالة حقيقية من الراحة والهدوء. فى هذه الليلة فى بيت محمد عبدالقدوس كان هناك المسلم والمسيحى، الاشتراكى والليبرالى، والمؤيد للحكومة والمعارض لها.
فى هذه الليلة كانت هناك صورة لمصر التى نتمناها ونحلم بها، أن يتحاور الجميع بالكلمة وليس بالمولوتوف والقنابل أو العبوات الناسفة.
فى هذا المناخ تم إزالة كل الرواسب الباقية من جراء الحملة الانتخابية الصاخبة التى صاحبت انتخابات النقابة الأخيرة.
وجدنا عناقا حارا بين النقيب يحيى قلاش وسكرتير النقابة السابق كارم محمود، وجدنا خالد البلشى يتحاور مع هشام يونس الذى خرج من المجلس بالقرعة فى مصادفة لا تتكرر كثيرا.
رأينا ياسر رزق يشرح لبقية زملائه آخر تطورات الطبعة المسائية التى تنوى الأخبار إصدارها قريبا والجدل بشأن اسمها.
رأينا الزميلة حنان فكري، عضو المجلس والصحفية بجريدة وطني، والزميلة أمانى ضرغام نائبة رئيس تحرير الأخبار يعانقان زوجة الزميل محمد عبدالقدوس وتتواعدان على تكرار اللقاءات.
عندما غادرت الشقة بعد النقاش والأكل والمرح سألت نفسى سؤالا بسيطا وصعبا فى وقت واحد: ما الذى جعل عبدالقدوس بهذه الروح والطيبة والسكينة والبشاشة خلافا لغالبية الإخوان الذين كانوا أحد الأسباب الحقيقية في وكسة هذا الوطن وربما المنطقة؟!.
(نقلا عن صحيفة الشروق المصرية)