في السابع عشر من نيسان/ أبريل من كل عام "ركض بحوافر الخيل على أرض ترابية تثير الغبار، فتتوقع مجيء جيش جرار أو كتيبة مدربة، وما إن تهدأ الخيل وينقشع الغبار حتى ترى الحقيقة، السراب!"، تتعالى الدعوات لتغيير صور حساباتنا الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وستهُب عاصفة الهاشتاجات والوُسوم، وستلفّنا الوطنية جميعا من رؤوسنا حتى أخمص أقدامنا، ونتسارع لتصدر وتصدير أخبار "النُّصرة"، لنشعر بعدها بالرضى والارتياح على مشاركة خاوية، واهتمام زائف، لا يعدو عن كونه "زوبعة في فنجان"، نحاول فيها أن نسُد خواء نفوسنا ونعزي بها أنفسنا على تقصيرنا.
ما إن ينتهي هذا الموسم، حتى "تعود ريمة لعادتها القديمة"، فتعاطينا على المستوى الشعبي والرسمي مع قضية وطنية بحجم قضية الأسرى موسمي بحت، فمن موسم الكرامة "الأمعاء الخاوية"، إلى موسم "وفاء الأحرار"، فموسم عرفات جرادات، فميسرة حمدية، فحسن الترابي، فرائد الجعبري، وليس ختاما بموسم جعفر عوض، وما إن ينتهي الموسم حتى يعود سيف النصرة الشعبي إلى غِمده، ولا نرى قمحا من بعد جعجعة المؤسسات الرسمية الفلسطينية.
الموسمية الرتيبة والمملة، والفردانية العشوائية في التعاطي مع قضية وطنية بحجم قضية الأسرى والمعتقلين، وكيف أن تصرفات وفعاليات النُّصرة (الكم) هي التي تجمعنا في هذا اليوم، وليس القضية أو الهدف (النوع).
فعلى المستوى الشعبي العام، لعل الواقع "ثقيل الظل" الذي نحياه في ظل تتابع الاهتمامات وكثرتها، وتواتر القضايا وتشعّبها خلق حالة من اللا-شهيّة لأي شيء، تحصّلت من حالة اللا-فهم الناتج عن التشوّش و/أو الانشغال الذهني للمواطن الفلسطيني في ظل حياة تتخطفه فيها دوامة الفقر، البطالة، الانقسام، الحصار، وليس انتهاءً بالإعمار.
وعلى المستوى الفصائلي، كلٌ يُغني على ليلاه، و"ما دام الأسير ليس منا فليقع أشواكه بيديه أو بأيدي تنظيمه"، كما عبر بذلك الكاتب والمحامي جواد بولس، أما على مستوى الدبلوماسي الفلسطيني، فحتى في يوم الأسير، قلّما نسمع لهم صوتا في هذا الجانب، لذلك "لا يفلُّ الحديد إلا الحديد".
ختاماً، ليس أبلغ مما قاله الكاتب والمحامي جواد بولس: "لن يتحرّك العالم من أجل أسرى الحرية الفلسطينية إذا لم يعطه الفلسطينيون كل المسببات والدواعي لهذا التحرك المرتجى، فعالم يرى الفلسطينيين معسكرات و"فسائل" يفقد "شهيّته"، الضعيفة أصلًا، للتضامن والتكافل، ومؤسسات حقوقية دولية تستشعر أن وراء الصمت الشعبي في فلسطين إزاء مسألة الاعتقال الإداري أكثر من إرهاق شعب يئن تحت أعباء الحصار والقمع والقهر ولقمة العيش، فالحقيقة أن هنالك موقفا يتنامى ويصرخ: "زيحها عن ظهري بسيطة".
النُّصرة واجبة، وواجب، واجبة ضمن استراتيجية وطنية حقيقة تدور ويدور معها المواطن على مدار العام، انطلاقاً من كونها واجبا وطنيا، دينيا، قوميا وأخلاقيا، فكل تضحية مهما صغُرت من أي أسير أو معتقل
فلسطيني تستحق التقدير، بل ويستحق صاحبها الوقوف له إجلالا. والحرية لأسرى الحرية.
ملاحظة/ حتى كلامي أعلاه يدخل ضمن نطاق "مواسم النُّصرة"..