نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لمهدي حسن، حول مأساة مخيم
اليرموك، والصمت الذي تقابل به إبادة الفلسطينيين هناك، قائلا إنه لو كان المحاصر للمخيم هو الجيش
الإسرائيلي لما كان ذلك الصمت.
ويبدأ حسن تقريره، الذي اطلعت عليه "عربي21"، بقوله إنه يتم قصف وقتل اللاجئين الفلسطينيين كأنهم حيوانات، لدرجة أن أحد اللاجئين قال لموقع "واي نت": "إن كنت تريد أن تبحث عن غذاء لأولادك فعليك أن تحمل كفنك معك، فهناك قناصون في الشوارع كلها، ولا تشعر بالأمان في أي مكان".
ويضيف الكاتب أن هذا لا يحدث في جنوب لبنان أو في غزة، إنه يحدث في مخيم اليرموك على أطراف دمشق، على بعد عدة أميال من قصر بشار
الأسد. ومنذ 1 نيسان/ أبريل، دخل مقاتلو
تنظيم الدولة المخيم، وبدأوا حملة الرعب من اعتقال وقتل وقطع رؤوس وغير ذلك. ويعتقد أن مئات اللاجئين قتلوا فيما سماه بان كي مون "أعمق دوائر الجحيم".
ويستدرك التقرير بأن هذا لا علاقة له بإجرام تنظيم الدولة، فالفلسطينيون في اليرموك وقعوا تحت قصف وحصار قوات الأسد منذ عام 2012. وتم قطع الماء والكهرباء قبل فترة طويلة، ومن 160 ألف لاجئ فلسطيني كانوا يعيشون في المخيم لم يتبق منهم سوى 18 ألفا. وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن النظام السوري ارتكب "جرائم حرب باستخدام تجويع المدنيين سلاحا"، ما اضطرهم إلى "أكل القطط والكلاب".
وتشير الصحيفة إلى أنه حتى مع دخول مقاتلي تنظيم الدولة فإن قوات الأسد استمرت في إلقاء البراميل المتفجرة على اللاجئين، وكما يقول الناشط السياسي داخل المخيم عبدالله الخطيب، فإن "سماء اليرموك مليئة بالبراميل المتفجرة بدلا من النجوم".
ويجد الكاتب أنه لا يمكن الاختلاف مع ما قالته الرابطة الفلسطينية لحقوق الإنسان من أن قصة الفلسطينيين في
سوريا "هي القصة الأكثر نسيانا في النزاع السوري". حيث هناك 12 مخيما رسميا للاجئين في سوريا يعيش فيها أكثر من نصف مليون لاجئ، وبحسب الأونروا فإن 90% منهم بحاجة للمساعدة المستمرة، وقد اضطر السكان في مخيم اليرموك خلال عام 2014 إلى العيش على 400 سعرة حرارية للفرد يوميا، وهو أقل من خمس ما تنصح به الأمم المتحدة للمدنيين في مناطق الحرب، الذي يبلغ 2100 سعرة للفرد يوميا؛ لأن دخول عمال الأونروا للمخيم كان مقيدا، أما اليوم فلا يسمح لهم بدخوله.
وتذكر الصحيفة أن موقع الأونروا يستشهد بقول أحد سكان المخيم حول الحياة في المخيم: "لتعرف كيف هي الحياة في اليرموك أطفئ والكهرباء والتدفئة، واقطع الماء في الأيام كلها، وعش في الظلام".
ويضيف أن "معاناتهم يجب أن تهمنا، سواء كان من يضطهدهم هم الإسرائيليون أم السوريون أم المصريون، أو حتى إخوانهم الفلسطينيين (فقوات أمن السلطة الفلسطينية كانت على مدى السنوات الماضية تطلق النار وتعتدي على المتظاهرين غير المسلحين)".
ويبين حسن أن هذا المقال ليس محاولة للدعاية لإسرائيل، فهناك أسباب مهمة لانتقاد إسرائيل الواسع في الغرب. فإسرائيل حليفنا، وتدعي أنها ديمقراطية ليبرالية، على عكس الأسد وتنظيم الدولة، كما أن إسرائيل تمولها الولايات المتحدة، وتحميها في الأمم المتحدة، بخلاف الأسد وتنظيم الدولة.
ويقول الكاتب: "يجب أن يخجل أولئك الذين يحاولون استخدام مأساة اليرموك للتقليل من شأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. ولكن ماذا عنا نحن؟ هل يمكن لنا أن ننام ونصحو فقط لشجب إسرائيل؟ ولو سألنا أنفسنا بأمانة كم ستكون ردة فعلنا مختلفة لو كان محاصرو المخيم يلبسون زي الجيش الإسرائيلي؟".
ويتابع حسن: "غضبنا الاختياري لا يمكن تبريره أخلاقيا، فكثير منا ممن رفع صوته دعما للقضية الفلسطينية غض الطرف، دون عذر، عن مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين على يد إخوانهم العرب في العقود الأخيرة، من الجيش الأردني خلال أيلول الأسود في بداية السبعينيات، ومن المليشيات اللبنانية خلال الحرب الأهلية منتصف الثمانينيات، ومن الكويتيين بعد حرب الخليج الأولى في بداية التسعينيات، وقد تواطأت مصر، التي تسمى (قلب العالم العربي)، مع إسرائيل في حصار الأخيرة على غزة على مدى ثماني سنوات الماضية".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن الفلسطينيين الآن في مخيم اليرموك يعيشون ظروفا مأساوية، وحياتهم "مهددة للغاية"، بحسب الأمم المتحدة. ويتساءل الكاتب: فما الذي يمكن فعله؟.
وتورد الصحيفة أن جواب الصقور من المحافظين الجدد، ومن يسمون بالليبراليين الذين يؤمنون بالتدخل في الغرب، يريدون الضرب أولا ثم طرح الأسئلة فيما بعد، بينما يلجأ بقيتنا إلى هز الكتف بخليط من اللامبالاة واليأس. وقليل لديه الاستعداد أن يتبنى الخيار الصعب، الذي لا يحظى بتأييد واسع، وهو الحل التفاوضي للصراع السوري، أو على الأقل وقف إطلاق النار ولو لفترة مؤقتة؛ "لضمان دخول المساعدات الإنسانية" إلى المخيم، كما يقول مدير الأونروا كرس غانيس، الذي وصف المخيم بأنه حفرة جحيم.
وينقل التقرير عن غانيس قوله إن الأونروا "تدعو كل من يستطيع التأثير على الأرض أن يستخدم تأثيره"، وأضاف: "الكل يمكنه التأثير في الشرق الأوسط؛ لأن الكل يتلقى دعما". وأشار غانيس إلى أنه تم إخلاء مئة مدني، بينهم 20 طفلا من المخيم في 5 نيسان/ أبريل، ولذلك ليس هناك ما يمنع من إخلاء المزيد من سكان المخيم، وإخراجهم إلى مناطق آمنة.
وتوضح الصحيفة أن هناك فشلا في تمويل الإغاثة، حيث ناشدت الأونروا الدول المانحة للحصول على 415 مليون دولار لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ولم يتم توفير سوى 20%، وهو ما يدعوه غانيس "كارثيا".
ويعلق حسن متسائلا: "أليست هذه فضيحة أن تتوفر الأموال دائما لحملات القصف، ولكن لا تتوفر بشكل كاف للمساعدات الطارئة؟ إن فلسطينيي اليرموك مثل الفلسطينيين في غزة خلال صيف 2014، بحاجة إلى مساعدتنا السياسية والمالية".
ويخلص الكاتب إلى أنه "حان الوقت لمن يدعي أنه يدعم الفلسطينيين ونضالهم من أجل الكرامة والعدل والوطن، أن يجعل صوته مسموعا. فهناك حوالي 3500 طفل من بين 18 ألف فلسطيني في مخيم اليرموك. وكما قال غانيس وصوته يتهدج من الألم: (نحن نشهد مذبحة محتملة للأبرياء.. فماذا سيفعل العالم؟)".