انقسم
الوطن على نفسه في مصر إلى فريقين معروفين، والعجب من هذا، ومن السؤال الدارج على ألسنة الجميع يلقانا حتى خارج مصر: "أأنت مرسي أم سيسي؟".. والتطابق بين النصف الأخير في الكلمتين يزيد الأمر فجيعة في العقل قبل الأذن..
أحد أصدقاء الدرب، وقد جمعتني به مأساة واحدة إبان عام حكم الرئيس محمد مرسي، أسر إلي أنه يعاني من ضائقة مادية شديدة بخاصة مع تقدم أبناؤه في التعليم الجامعي الخاص، وأن هناك من علم بالأمر فعرض عليه أن يتلقى راتباً ضخماً "بالدولار" يساوي ثلاثة أضعاف دخله "الخائب" على حد قوله، ونظير عمل لن يكلفه شيئاً سوى التركيز فيما يقوله الرئيس "محمد مرسي".. وحزب الحرية والعدالة بوجه خاص.. وكبار
الإخوان المسلمين بوجه عام.. ثم الهرولة للشبكة العنكبوتية للبحث عن "فيديو" ..أو تصريح سابق لواحد من الجماعة أو الحزب من قبل ..يفتي فيه أو يصرح بعكس ما قالوا أو فعلوا فيما هم في السلطة، وذلك لإبراز كذبهم "المفترض"، ولمزيد من التشكيك فيهم، وضرب القائل له عدداً من الأمثلة ساعتها أتذكر منها تهنئة المسيحيين بأعيادهم .. اعتذر صديقي عن القيام بهذا العمل البذيء، من وجهة نظره، بل نظري إلى اليوم..
لا أروي هذه القصة للتدليل على المخطط الجهنمي لإفشال الرئيس محمد مرسي والإخوان، وقد كان المخطط كذلك بالفعل وما زال، ولكن أرويها لغرض آخر سيبدو بعد قليل ..
(1)
الفريقان كلٌّ منهما يعمل على أشده اليوم لإثبات إن الفريق الآخر على "الخطأ الخالص البحت".. بل إنه ليأكل السحت ويعاشر "إبليس اللعين"..إما وإن فريقاً منهم موالي للانقلاب وهو على الباطل المبين، أو أقرب إليه، فإنها لمسلمة لمن يظنون السوء بصاحب هذه الكلمات، إما وإن مناصري الشرعية الأقرب إلى الصواب، فإنه لأمر لا ينكره إلا ظالم، ولكن ..ليس أنصار الانقلاب اليوم كلهم معدوم الخير فإنها لمقولة ظالمة على الوجه المقابل، بل إن فيهم المخدوع، ومنهم المنصرف عن الحق بفعل "أخطاء أهله في حقه"، وبالتالي من يرى إن الإخوان ومن هم في معسكرهم، إن رأوا إنهم لم يخطأوا من الأساس وما يزالون يحافظون على تلك الرؤية.. فإنها لفرية ومقولة خطأ شديد تزيد من اضطرام النيران في بلدنا..
كان شباب الإخوان المخلصين هم صمام أمان مصر، وأتمنى لهم أن يستمروا في هذا الأمر، وألا ينساقوا خلف "بعض" القيادات الآن التي تريد اضطرام النار في مصر كلها كي تعود هي إلى "سدة الحكم" من جديد، وقد علم عقلاء قادة الإخوان ألا عودة لهم إلى حكم مصر في ظل هذه الظروف المقيتة، ولكن قاتل الله تعالى هوى النفس لما يضيع الأوطان ويعمي الأبصار ويُذهبُ بالألباب والعقول
عقلاء الإخوان الذين كانوا يداورن سوءة المجتمع المصري، ولا يحبون أن يشيع البعد عن الله فيه، هم من يقومون الآن دون تؤدة أو تعقل بإشعال النيران فيه وإزكاء نيران
العداوة عبر التركيز على أفعال الانقلاب المعادية للوطن والدين والأخلاق، ساحة شبكات التواصل الاجتماعي، الفضائيات القليلة التابعة للشرعية، المواقع الموالية للشرعية، الجميع يعمل العمل الذي عُرِضَ على صديقي ورفضه .. وهذه المرة بلا مقابل..
(2)
الذين يصرون على عدم قبول "حل ما" ولا أقول صلحاً إلا بمواصفات هي في أذهانهم هم دون سند من الواقع من القول بأن الرئيس مرسي عائد، والإخوان سيسودون من جديد، وستتم هزيمة جيش مصر، والدولة العميقة.. هل هؤلاء واعون لما يفكرون فيه، ومن السوء بمكان استنادهم إلى آيات قرآنية صادقة بصدق المُوحي بها رب العزة سبحانه، ولكن الاستدلال هو الفاسد من آسف، وصدق المتنبي لما قال:
وكم من عائب قولاً صحيحاً...وآفته من الفهم السقم
إن نصر الله ليتنزل لما نحسن الإعداد له والخطو الصحيح نحوه، وهو ما لا أرى بوضوح إنه حدث، وإنني لا أقول هذه الكلمات، علم الله، إلا لكي يبذل صف الشرفاء كله، لا الإخوان وحدهم جهدهم في تنقية المجتمع المصري، ثم العربي ليصح أن تبدأ به نهضة حقيقية لا واهمة ولا مزيفة كتلك التي أرادها الإخوان في مصر، إنني حينما أقول لك إن إطار سيارتك مرتخٍ فإنني لا أقصد تثبيتك بحال من الأحوال .. او أن تصطدم بطوار أو بسيارة أخرى بل إنني لأحذرك من مغبة السير على هذه الحالة، أما أن تفهم إنني "أُفوُّل عليك أو أحب الاصطدام لك" فإن في مجرد هذا الفهم خلل ينبغي علاجه ..
أهل يدرك الإخوة والأصدقاء من جماعة الإخوان إن شعباً لا يعرف معناً للديمقراطية الحقيقية، وإن اختياره الذي وضعه في الصندوق كان ينبغي عليه الموت دونه، لكن أن يقوم فريق من الشعب بترشيح أنفسهم في انتخابات يعلمون إنهم لا يستطيعون حماية أنفسهم حال انقلاب جيش بلدهم عليهم، وإنه كان من الأفضل لهم.. ألا لم يتقدموا هذه الخطوة ليبقوا من التيار الوطني، وانتماؤهم لرب العزة كان أمراً بينهم وبين ربهم، وبوضوح إن ترشحهم للرئاسة حق لهم .. والأمر يخصهم.. لكن لدى الشعوب المستنيرة التي تحافظ على قرارها ورغبتها في التقدم.. أما لدى المصريين فالأمر مختلف ..
ما ضير الإخوان المسلمين لو أرادوا في مصر ما أراده راشد الغنوشي في تونس؟!
لو إنهم أصروا على أن يصبحوا رقم اثنين أو ثلاثة فيما يخص السلطة؟..فإن صارت الأمور كما يريدون ظلوا رقم اثنين.. وإلا صاروا رقم ثلاثة .. ولكن رقم واحد إن لم تسر الأمور.. كما يريدون.. لم يصيروا إلا رقم صفر .. بوضوح الصحابة رضوان الله عليهم "اقتتلوا بالسيف على السلطة" فلماذا لم تستفيدوا من الدرس؟
هل من عاقل يقول لي إن الإخوان كان يعدون للسلطة على النحو الذي تولاه الرئيس مرسي قبلها بعام واحد؟ لا قبل ثورة 2011م المفترضة؟
هل كان مشروع تولي الإخوان للسلطة هو منتهى أملهم ومسيرهم منذ 87 عاماً؟
هل نهج الدكتور مرسي في السلطة معبر عن مسيرة الإخوان المسلمين؟
هل لم يخطئ الإمام الشهيد حسن البنا بالانغماس في السياسة، وهو بشر بالمناسبة، رحمه الله
وجعل الجنة مثواه، ولكنه غير مبرأ من الخطأ، أولم يقل "لو استدبرت من أمري ما استدبرت لما أنشأت الجهاز السري"؟!
أو لم يخطأ الإخوان في مصر بطرق أبواب السياسة على هذا النحو الذي لا يكاد يودي بهم بل بمصر؟ّ
ما فائدة الزمان والتجارب إن لم نصارح أنفسنا بالحقائق؟
وإن تصورنا إننا ضحايا على طول الخط؟
قال الداعية المفكر محمد علي قطب شقيق الشهيد سيد قطب، رحمهما الله، إنه لا ينصح بالوقوف في وجه الأنظمة الظالمة العربية قبل القدرة عليها .. وكان يلخص تجربة أسرة قطب مع الحكم في مصر ومحنة عبد الناصر بدقة .. فهل فهم الإخوان هذه الجملة؟
(3)
قيل لمدرب تنمية بشرية:
ـ ماذا نفعل إذا كانت المعادلة صفرية اليوم؟
فقال:
ـ معركة صفرية تساوي غفلتك عن عدوك حتى يستفحل ثم لا تعرف كيف تواجهه؟!
أو ليس ذلك ما حدث في مصر؟!
ما قيمة أن تستخدموا أدوات النظام في استفزازكم لقبول العودة إلى المنظومة السياسية، عدتم أم لم تعودوا ولكن لماذا تستخدمون وسائله لإقناعنا إنها "غايات"؟!.. من القتل والترويع والتعذيب ثم سب للدين وحرق لكتبه، كل يوم تروج لنا الصحف والمواقع الانقلابية ما نعمل به على الدوام، لنثبت إن النظام الانقلابي يعادي الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وماذا بعد ..وصلتم إلى هنا بإخفاقكم في تربية الشعب المصري بل أنفسكم .. وتستمرون في هذه المهزلة أو هذا هو الحل؟
إن منتظر ثورة "جياع" مصرية تعيد الإخوان إلى الحكم غير واعٍ ولا مدرك لشيء، وإن قيادات في الخارج .. بعضها يزكي من الزخم الثوري ..غير جيدة في حمل الأمانة، إن الإخوان لن يعودوا إلى سدة الحكم ليتهم جميعاً يفهمون ليعيدوا ترتيب أوراقهم جيداً..
(4)
إنني في معسكر أنصار نهضة وتقدم بلدي قبل الشرعية، ويوم نحسن الإعداد سيتنزل علينا نصر الله تعالى، وصدق أحمد مطر لما قال:
"إنني أغني للأمل لما يكون وردة نابتة من رحم الأرض ولكني اخجل من إيهامكم بالورود المزيفة"..
إنني أخجل من القول لكم بأن الانقلاب والانقلابيين على شيء من الحق ولو قليل، ولكن ليسوا جميعاً بشياطين ..وفيهم من يريد إنهاء مسلسل تدمير مصر والأمة، كما أنني أخجل من القول لكم إن أنصار الشرعية كلهم على الحق، وإن كانوا أميل إليه، ولكن فيهم من يريد حرق مصر لأجل مصلحته الخاصة ..ومنصب وزير أو غفير كان يشغله، ليسوا جميعاً بملائكة بل إن فيهم لشياطين ..وإن الحل لن يتأتى إلا بإعمال فكر الشرفاء منهم .. وإبعاد الشياطين، وهو ما لا أراه قريباً من آسف ..
الاثنين 13 من أبريل كانت الذكرى السنوية الأربعين لحرب لبنان الأهلية.. هل يتدبر عقلاء الإخوان؟
قلتُ لكم آما آن لهذه العداوة أن "تترجل" فأساء كثيرون فهم العبارة .. مرة أخرى لو أن كلباً عقوراً دخل أرضك ويهدد حياتك .. هل من العقل أن تقف، مكتوفاً، لتشاهده؟!
حمى الله مصر وألهم شرفاءها السداد والتوفيق ..