كما يؤكد فلاسفة التربية أنه لا وجود لتعليم محايد فإما أن يكون التعليم وسيلة لتدجين المجتمع وتطبيع قيمه وأخلاقه مع واقع الفساد والاستبداد أو وسيلة لتحرير الإنسان وصناعة الوعي الناقد القادر على البناء.
كذلك نستطيع التأكيد أنه لا وجود لإعلام محايد فإما أن يكون
الإعلام وسيلة لتحرير وعي الجماهير وتقديم الحقائق كما هي وتعرية واقع الظلم والاستبداد وكشف ملفات الفساد والتشهير بالفاسدين، أو أن يكون وسيلة تدجين وتعتيم للحقائق ووسيلة للتلاعب بالعقول وتزييف وعي الأمة وإشغالها عن همومها الحقيقية بأنواع من التسليات والترفيهات وصناعة الاهتمامات التافهة التي تساهم في تبديد الوقت في غير طائل في اللغو والعبث الفارغ وتتويه العقل في عمليات خداع ومبالغات وتضخيم لقضايا ثانوية وتهوين لما يستحق التعظيم.
فالسلطات التسلطية تتفنن في خداع المجتمع وتزييف الوعي وتحويل وسائل الإعلام إلى طبول وأبواق في زفة النفاق وإشغال الناس عن قضاياهم الحقيقية بالحديث عن المنجزات الورقية وتضخيم بعض الانجازات والمبالغة في الحديث عن أخطاء ثانوية وتجاهل الكوارث الكبيرة وفق ما يسمونه بالامساك بصغار السمك والتغاضي عن الحيتان الكبيرة..وكما يقول أحد الباحثين عن خطورة دور الإعلام التسلطي في تززيف الوعي"إن الإعلام المكتوب والمرئي يتبنى اتجاهات كلية اختزالية تكثيفية تبسيطية تتحول إلى مسلمات يصعب تفكيكها وفضحها بسبب بساطتها، وإحكام صياغتها، وإغراق الإدراك بها، وصولاً إلى هدر فعلي للوعي"..
وهناك اليوم الكثير من الدراسات التي تحذر من خطورة هيمنة السلطة المتسلطة على الإعلام وتحويلها للاعلام إلى أداة للتلاعب بالعقول وتزييف الوعي ، واختراق العقل وتسويق الفشل الرسمي،وتحويل الإعلام إلى ماكينة للتحريض على بعض فئات المجتمع وحروب كراهية ، وتبرير جرائم النظام و انتهاكاته لحقوق الناس..
ومن مظاهر تزييف الوعي الذي تمارسه ماكينة إعلام الهيمنة في الدول الشمولية:
1- المبالغة في الحديث عن انجازات وهمية أو ثانوية والهاء الراي العام عن المشكلات الحقيقية والاخفاقات المتوالية للنظام في أكثر من صعيد وتبديد ثروات الأمة في أمور لا طائل منها وتضر أكثر مما تنفع.
2- الدوران في فلك أشخاص الحاكمين وتحويلهم إلى أصنام وتقديسهم بمبالغة كبيرة تخرجهم من دائرة البشر العاديين وتنسب ماكينة الهمينة إلى الممسكين بالسلطة معجزات وأفعال خارقة وقدرات عجيبة..
3- تضخيم مفاهيم ومصطلحات معينة والتركيز على بعض الجزيئيات وفصلها عن سياقها العام و تجاهل مناقشة تحديات المستقبل، والقضايا الجوهرية التي تهم المواطن.
4- ترويج الشائعات واختراع مصطلحات معينة لتشويه قضية محددة مثل ترويج الأكاذيب المتعلقة بأكذوبة " جهاد النكاح" وتسليط الأضواء عليها وإلهاء الناس بهذه الأكذوبة عن مجازر الابادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب السوري.
5- شيطنة معارضي السلطة واتهامهم بالعمالة وتشويه الصورة الأخلاقية على غرار حادثة الإفك والتركيز على أخطاء جزئية وتضخيمها أو أختلاق أخطاء لا وجود لها والتعامل معها كحقائق.
6- يستخدم الإعلام تقنيات خطيرة للتلاعب بالعقول وتضليل الفكر غير الإشاعات والأكاذيب فقد يعمد أحيانا إلى نقد بعض اخطاء السلطة المفتعلة ويضخمها بصورة كبيرة ويبالغ في تصويرها ويكتشف الناس بعد ذلك أن الأخطاء مفتعلة و غير حقيقية روج لها الإعلام ليحولها إلى بؤرة اهتمام للتضليل وإلهاء الرأي العام عما ترتكبه السلطة من جرائم وأخطاء حقيقية.
وفي مواجهة هذا التضليل الإعلامي بدأت اليوم ترتفع أصوات التربويين ومناضلي حقوق الإنسان من أجل تربية الجيل الجديد تربية إعلامية تساعده على قراءة الرسالة الإعلامية وتحليلها وتفسيرها ونقدها وكشف زيفها وخداعها..
ولأننا في عصر الصورة والإعلام فإن الحاجة ماسة إلى تربية إعلامية لتحصين الأجيال من الرسائل الهائلة الهادفة إلى تضليل الوعي، كما نحتاج إلى تمكين الأجيال الصاعدة من القدرة على الاختيار السديد للرسالة الإعلامية النافعة وكشف طريقة التلاعب بالعقول وتزييف الحقائق.
* رئيس المركز العالمي للأبحاث والتطوير