تعَدّ زيارة العرب والمسلمين للمسجد الأقصى في مدينة
القدس المحتلة موضع جدل وخلاف قائم، بين مؤيد لها يعتبر أن شدّ الرحال إلى ثالث أعظم مساجد المسلمين من شأنه أن يعزّز صمود المواطنين المقدسيين، وبين آخر معارض يرى في هذه الزيارات تطبيعاً مع الاحتلال
الإسرائيلي واعترافاً بها ودعماً لاقتصادها.
رأى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، راسم عبيدات، أن
الاحتلال الإسرائيلي هي المستفيدة من زيارة العرب والمسلمين للمدينة المقدسة، فهي التي تمتلك الفنادق وبقية المرافق التي تستقبل هؤلاء السياح، في الوقت الذي لا يمتلك فيه الفلسطينيين سوى القليل من المحال التجارية ومؤسسات أخرى لا ترقى لمنافسة مؤسسات الاحتلال، وفق تقديره.
وأشار عبيدات إلى أن الاحتلال هو المتحكم الأول والأخير بالأشخاص الذين يريدون زيارة مدينة القدس، سواء كانوا عرباً أو مسلمين، حيث إنه يمنع عدداً منهم تحت حجج أمنية، لافتاً إلى أن كل مراحل زيارة المسجد الأقصى تمر تحت عين الاحتلال وعلى مسمعه.
ويشار إلى أن العام الماضي شهد انخفاضاً كبيراً في حجم السياحة العربية والإسلامية لدولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب العدوان على قطاع غزة، ولكن ومع بداية العام الجاري بدأ النشاط السياحي يرتفع، حيث قدم حوالي عشرة آلاف سائح مسلم وعربي لمدينة القدس، وذلك حسب ما أفاد به تقرير صادر عن صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
من جانبه، اعتبر المختص في شؤون القدس، جمال عمر، بأن زيارة القدس المحتلة تحت الاحتلال الإسرائيلي "لا يعدّ تطبيعاً ولا حراماً"
وبحسب عمر، فإن فتاوى دينية صدرت حديثاً "تحث المسلمين من جميع أنحاء العالم على زيارة المسجد الأقصى وشد الرحال إليه، ما عدا الشخصيات الهامة التي تحتاج لتنسيق مع الاحتلال قبل دخولها الأقصى من باب المغاربة وليس كبقية الزوار، وهذا ما يجب الحذر منه"، حسب قوله.
وطالب عمر بضرورة تواجد العرب والمسلمين في القدس من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى، ودعم التاجر المقدسي بشكل خاص، والمقدسيين بشكل عام.
ويبدو أن هذا الخلاف حول زيارة العرب والمسلمين للقدس المحتلة انسحب على تجار المدينة المقدسة أيضاً، فقد أكد صالح أبو شمسية، وهو صاحب محل في "سوق القطانين" في البلدة القديمة، أن التجار شعروا بفرق بسيط في حركة السوق خلال الشهرين الماضيين، بسبب تدفّق السياح المسلمين والمسيحيين إلى المدينة، وأضاف: "أنا أبيع المسابح والمناديل والبخور بأنواعه المختلفة، ويمكن القول إن الفرق لم يتجاوز 20% في أحسن حالاته".
وعلى عكس أبو شمسية، يقول التاجر رامي عبد السلام: "لم يتحسن وضعنا الاقتصادي بسبب زيارة العرب ولا حتى بنسبة 1%، فاقتصاد الإسرائيليين هو الذي يتحسن على حسابنا".
في حين يرى صاحب محل تجاري قريب من كنيسة القيامة أن مبيعاته حققت فرقاً بسيطاً بنسبة لا تكاد تصل إلى 10%، موضحاً أن تلك الزيادة كانت بسبب زيارة فلسطيني الداخل والمقدسيين من المسيحيين والمسلمين، أما زيارة العرب للقدس المحتلة، فقد "أنعشت اقتصاد الإسرائيليين" وأسواقهم التي جذبتهم بعروضها، حسب قوله.
وشدد أصحاب المحال التجارية على أن الأسباب الأساسية في عدم وجود منفعة اقتصادية حقيقية للتاجر المقدسي من زيارة المسلمين والعرب، تكمن في أن الاحتلال هو الذي يسيطر على معظم الفنادق، وكذلك الدعم الاقتصادي المفتوح للتجار الإسرائيليين، إضافة لما يمارسه الاحتلال من ضغوط عديدة على التاجر المقدسي، مقابل إهمال عربي وإسلامي لهذا التاجر، وكل هذه الأسباب وغيرها تجعل هذه الزيارات تصب في النهاية لصالح الاقتصاد الإسرائيلي وليس المقدسي.
وفي السياق ذاته، دعا راسم عبيدات إلى إيجاد موقف عربي وإسلامي وفلسطيني موحد من هذه الزيارات، لكونها، "وبشكلها الحالي، لا تخدم إلا الاقتصاد الإسرائيلي أولاً"، كما قال.
وطالب بمراجعة جدية لهذا الموقف، خاصة وأن التقارير تشير إلى زيارة أكثر من 80 ألف سائح مسلم وعربي للقدس المحتلة العام الماضي، "وهذا العدد ليس بالقليل"، وفق رأيه.
وبيّن عبيدات أن هذه الزيارات "تسهم في كسر العزلة العالمية والعربية عن الاحتلال، وتمرر الدعاية الإسرائيلية بأن هذه الدولة متسامحة دينيا، وأنها ليست ضد المسلمين والمسيحيين، في حين أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، حيث يقوم الاحتلال بإبعاد مئات المقدسيين عن المسجد الأقصى، ويمنع الآلاف من سكان الضفة وغزة من زيارته".
وطالب عبيدات بضرورة إيجاد بديل عربي وإسلامي وفلسطيني لدعم صمود المواطن والتاجر المقدسي، دعما وتسويقا لبضائعه ومنتجاته، ودعم المشاريع وإقامة المعارض التجارية التي تسوق للبضائع المقدسية، بدلا من زيارة المسجد الأقصى عن طريق الاحتلال التي تساهم في دعم اقتصاده.
وكانت صحيفة هآرتس العبرية قد أشارت في وقت سابق إلى حدوث ارتفاع كبير خلال السنوات الأخيرة في عدد الحجاج المسلمين الذين يصلون مدينة القدس.
وذكرت الصحيفة، في تقرير لها، أنه من المتوقع حدوث ارتفاع آخر في أعداد الزوار، خاصة بعد صدور فتوى عن مجموعة من المشايخ في دول الخليج، تسمح للمسلمين والعرب بزيارة القدس المحتلة.