يوميا، يحرص المسن محمود الصواف على الذهاب إلى مصنعه الصغير في حي الشجاعية شرق مدينة
غزة، لمزاولة حرفته المتمثلة في نسج الصوف، وغزل السجاد والبسط بشكل يدوي.
يقول الصواف (70 عاما)، إنّه متمسك بحرفة أجداده التراثية، والتي اشتقت منها عائلته اسمها.
هذا عن اسم العائلة، أما حال
المهنة فيرصده بقوله: "قبل عقود من الزمن كانت صناعة نسج الصوف، وآلات النول (آلة لحياكة منتجات نسج الصوف)، تنتشر في كل مكان بقطاع غزة، غير أنها بدأت في الانحسار في السنوات القليلة الماضية، أمام الألبسة الصوفية الجاهزة، والنسيج الصناعي المستورد".
لكن ذلك المشهد القاتم لم يمنع الصواف من التشبث بالمهنة التي تحمل عائلته اسمها، مضيفا أن "نسج الصوف هي
حرفة سأورثها للأبناء من بعدي".
ويتابع: "اسم عائلتنا ارتبط بمهنة الأجداد، الذين كانوا يتمتعون بشهرة كبيرة في صناعة وغزل النسيج والصوف، وهو ما دفعهم إلى إطلاق اسم الصواف على العائلة".
ومثل الصواف تحمل الكثير من العائلات في غزة، التي يقطنها نحو 1.9 مليون نسمة، أسماء مهن الأجداد.
من بين هؤلاء مؤنس الشوا، الذي يفتخر بأن عائلته تحتفظ باسم "الشوّا"، المشتق من مهنة أحد أجداده.
الشوا يقول: "اسم عائلتي مشتق من شواء اللحم وبيعه.. هذه كانت حرفة أبي، وكذلك أجدادي بحسب ما روته جدة لي، ودونته كتب تاريخ فلسطينية".
ويلفت الشوا إلى أن كثيرا من أفراد عائلته امتهنوا حرفا متنوعة، لكن ظل اسم العائلة مرتبطا بالشواء، خاصة مع امتلاك العائلة للعديد من محلات "شواء اللحم".
ويعتبر مطعم "أبناء الشوا" في مدينة غزة من أشهر مطاعم قطاع غزة، التي تُعِد وتبيع اللحم المشوي.
سعدي النجار يبدي هو الآخر اعتزازه لامتلاكه "منجرة" (ورشة لإعادة تصنيع الأخشاب) تعد وفق قوله "الأشهر" في مدينة خانيونس جنوب غزة.
ويقول النجار: "أعتز بصناعة الأثاث، وعمل النجارة، التي توارثت حرفتها عن أبي وجدي".
ويمضي قائلا: "أغلب أفراد عائلتنا يعملون في النجارة، وهي مهنة أجدادنا ونحمل اسمها".
وبحسب المؤرخ الفلسطيني، سليم المبيض، فإن "أغلب أسماء العائلات الفلسطينية في غزة مشتق من اسم الجد الأكبر أو مهنته".
ويضيف المبيض أن "كثيرا من العوائل اشتقت اسمها من مهنة الجد الأكبر، مثل عائلة الصواف، والشوا، والنجار، والحداد، والبنا، والحطاب وغيرها من العائلات التي ارتبطت بموروث المهن".
ويشير إلى أن "عددا من العائلات اكتسبت اسمها من صفات العائلة أو مكان إقامتها، لكن الأغلب انتسب إلى المهن الموروثة".
وفضلا عن مهن الأجداد أو صفات العائلات وأماكن إقامتها، فإن عددا من العائلات، بحسب المؤرخ الفلسطيني، "اشتقت أسماءها من شهرة الأجداد في زراعة أنواع من الخضار، كعوائل بصل وفلفل وعدس".
ويستدرك المبيض بالقول: "هناك عوائل تعتبر أن المحافظة على اسمها نوع من التراث والالتصاق بهوية الماضي، ولهذا يحاول الآباء نقل المهنة التي تحمل اسم العائلة عبر الأجيال الممتدة".