يتناول فرهاد كوسروكافار في تقرير له على موقع هافينغتون الإخباري ظاهرة تضاعف التحاق شابات
أوروبا بصفوف
تنظيم الدولة بسوريا، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن 40% من مشايعي هذا التنظيم هم من المسلمين الجدد والنساء، فئتان مهمشتان في الضواحي الأوروبية، هذا وتغلب الطبقة العاملة على نسبة هؤلاء النسوة، في حين تندرج الأخريات من الطبقة الشغيلة القاطنة في الضواحي.
وتنقسم الفئة الثانية إلى مجموعتين: ففي حين تقتفي الأولى خطى قرينها، تتخير الثانية وحدها الالتحاق بصفوف هذا التنظيم، بصرف النظر عن توجهاته، وهو ما فعلته حياة بومدين، فرنسية من أصول مغربية وقرينة آميدي كوليبالي الذي أقدم على قتل شرطية وأربعة يهود بين السابع والتاسع من يناير سنة 2015، إثر أيام من مغادرة حياة إلى تركيا ومنها إلى سوريا، حيث انضمت إلى داعش، قبل أن ترسل السلطات الفرنسية مذكرة دولية لاعتقالها. ويبرز تخطيطها للرحيل إدراكها للهجمات المزمع تنفيذها من قبل شريكها وتخيرها لمسارها الخاص، ما يبرز استقلال قرارها بهذا الشأن.
ويشير المقال إلى انتماء غالبية هؤلاء النسوة إلى الطبقة الوسطى، علاوة على كون معظمهن من المعتنقات حديثا للإسلام، حيث تعود أصولهن إلى المسيحية، اليهودية، البوذية أو الإلحاد، ما يفسر لجوءهن للالتحاق بهذا التنظيم المتطرف. حيث تجتاح الشابات رؤية مغلوطة لمفهوم الإنسانية تدفعهن إلى السفر لنصرة إخوتهن في الله من السنة المستضعفين من قبل الشيعة ونظام بشار، ما يفرض دعمهن وتأييدهن لمن يجسد في مخيلتهن صورة الرجل المثالي، إذ تعُدّ كل منهن مواجهة الموت والتصدي للهجمات العسكرية تجليا للرجولة بما تقتضيه من صدق وجدية تستجيب لمقومات الزوج المثالي القادر على استرجاع صورة الذكر الأمين التي أودت بها الظروف والخصوصيات المجتمعية لهؤلاء الشابات.
كما يذكر فرهاد كوسروكافار أن فكرة الارتباط بمثل فئة الرجال المذكورة أعلاه يسنح للشابات، حسب اعتقادهن، فرصة الهروب من الاضطراب والهشاشة المتزايدة التي أصبحت تعصف بالعلاقات العصرية، خاصة أن معظمهن قد شهدن انفصال الوالدين بما تتضمنه معاملات الطلاق من مساواة مطلقة بين الرجل والمرأة، الأمر الذي يدفعهن للبحث عن علاقة مثالية متوازنة تشعر فيها بالاحتواء والاطمئنان بفضل "اللامساواة المحمودة" بين الزوج والزوجة.
هذا وقد وظفت مواقع تنظيم الدولة نقاط ضعف الشابات الأوروبيات، مستغلة حساسيتهن لإغرائهن بالصورة النبيلة للمرأة المحصنة من اضطرابات الحداثة والزوجة المحصنة بحماية زوجها، ذلك البطل المقاتل للأعداء، كما صورت لهن رومانسية ساذجة اقترنت بجاذبية الحرب بما تحويه من عنف يبهر فئة كبيرة منهن، حيث تساهم الظروف الاستثنائية التي تعيشها هؤلاء الشابات تحت وقع شدة المواجهات في صرف نظرهن عن واقع تدني حظوة المرأة في هذا المجتمع.
ويذكر التقرير تولي الموجة الأولى للنسوة الملتحقات بصفوف تنظيم الدولة مهمة التجنيد عبر الاهتمام بالمراسلات الإلكترونية وتأثيث صفحات الإنترنت لنشر الصورة النمطية المثالية لزوجات المقاتلين، وغالبا ما تتزوج هؤلاء المهاجرات بمن سبقهن من الشباب الأوروبي، ما يساهم في تحقيق التقارب الثقافي في المجتمعات الشرقية، الأمر الذي يجعل من العنف ثقافة وممارسة مشتركة بين الرجل والمرأة التي تمارسه بأسلوب غير مباشر عبر الحث على الانضمام لصفوف التنظيم من جهة، والحرص على تطبيق النسوة لقوانين هذه الدولة المتطرفة بكل السبل المتاحة من جهة أخرى. يذكر أن داعش خصصت لهذا الغرض سرية نسائية يطلق عليها اسم "الخنساء".
ويفيد التقرير بالتحاق عائلات بأكملها بهذه السرية، كحال التوأمين سلماء وزهراء هالاني اللتين تبلغان من العمر 16 ربيعا. هذا ويسعى أنصار تنظيم الدولة إلى بث إحساس من الثقة والعلو لدى هؤلاء الفتيات عبر إعطائهن تفويضا مطلقا لفرض رؤيتهن الخاصة للشريعة، ما يضفي عليهن شكلا من أشكال الشرعية تسمح لهن بانتقاء المسلم الجيد من ذلك السيء أو الكافر، وتمتعهن بالسلطة الكافية التي تصل إلى حد تسليط عقوبات على من تفوقهن سنا.
كما يجبر لواء الخنساء الشابات على الزواج من المقاتلين الأوروبيين لتكوين أسرة وإنجاب أطفال يستولي عليهم تنظيم الدولة منذ نعومة أظفارهم لضمان جيل الغد، هذا ويحدد سن الزواج بالتاسعة على أقل تقدير كما يتم الترويج لصورة الأسرة المثالية المقاومة، حيث تلعب الأم دورا نبيلا ببعث أسس مجتمع الخلافة، الأمر الذي يخفي عن ناظري الفتيات مكانتهن الاجتماعية المتدنية.
ويختم فرهاد كوسروكافار تقريره بالإحالة إلى ما تمنى به الشابات الأوروبيات الملتحقات بصفوف تنظيم الدولة من علاقة حب ذات شرعية دينية تطهره من الشوائب التي تسود مجتمعاتها الأصلية، تنتهي إلى زواج مثالي تتقاسم فيه الحياة مع مقاتل شهم يصونها ويضمن لها أمومة شريفة تنسيها العنف الذي يسود واقعا تخيرت الانصهار فيه.
(هافينغتون بوست الفرنسية)