قد يكون الهدف المعلن من العملية العسكرية القائمة حاليا من قبل دول التحالف العشري بقيادة السعودية هو إيقاف المد الحوثي المدعوم إيرانيا الهادف للسيطرة على الجغرافيا اليمينة، وإعادة ودعم الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي حاول الحوثيون إقصاءه عن المشهد السياسي اليمني على حساب عودة نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح الحليف الأبرز لجماعة الحوثي.
ولكن، هل هذا هو الهدف الوحيد من وراء شن هذه العملية العسكرية بهذه الإمكانيات الضخمة والإطار الزمني غير المحدد؟ وما هو سر الاهتمام الخليجي المفاجئ بكيان اليمن كدولة بعد إهمال وقطيعة دامتا لأكثر من عقدين كان لهما الأثر السلبي الكبير على الاقتصاد والمجتمع اليمني.
تاريخ العلاقات الخليجية اليمنية
لقد مرت العلاقات بين اليمن وجيرانه الخليجيين بعدة أطوار منذ مشروع الوحدة بين إقليم الشمال والجنوب فمن مشاكل الحدود مع السعودية والتي تم حلها بشكل نهائي عام 2000 إلى القطيعة التي تعرض لها اليمن من دول الخليج بعد موقفه من حرب الخليج الثانية واصطفافه إلى جانب العراق والذي كلفه الكثير على المستوى الاقتصادي، حيث اتخذت بحقه إجراءات ذات طابع عقابي، كسحب القروض والمساعدات الخليجية، وتسريح عدد كبير من العمالة اليمنية في دول الخليج.
لم تتوقف محاولات اليمن للانضمام لمنظمة مجلس التعاون الخليجي التي تجمعه مع محيطه وعمقه الاستراتيجي، ولعل تغير الظروف السياسية والاجتماعية بعد انتهاء حرب الخليج، والمخاوف الأمنية المتزايدة، دفعت دول الخليج للاهتمام بضم اليمن إلى منظومتهم، وخاصة بعد الفوضى القائمة في العراق، وفقدانه لدوره في الدفاع عن المصالح الخليجية، وظهور خطر المد الشيعي الإيراني، وضرورة الحفاظ على شبه الجزيرة العربية كوحدة استراتيجية متكاملة لمواجهة التحديات الخارجية.
أمريكا وكبح خطر القاعدة في اليمن
بعد عودة اليمن للعقد الخليجي، تلك العودة التي تزامنت مع ظهور خطر القاعدة المتنامي، وخاصة بعد حالة الفوضى القائمة في العراق، قامت الولايات المتحدة، بالتعاون مع الرئيس علي عبد الله صالح، بإعادة تأهيل قوات الأمن اليمنية، ودعمها بالتدريب والسلاح، لمواجهة التنظيم المتطرف، وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وبدأت عمليات استهداف قيادات التنظيم عبر الطائرات دون طيار التي كانت تتحرك بحرية تامة، دون الحديث عن أي اختراق لسيادة الدولة اليمنية.
الثورة اليمنية والانقلاب الحوثي
استلهم الشباب اليمني روح الثورة من ثورة تونس، وبدأ بالتحرك ضد نظام الرئيس صالح بشكل سلمي، وشارك في هذه الثورة جميع مكونات الشعب لينضم له فيما بعد بعض فرق وألوية من الجيش، لتندلع بعض المواجهات المسلحة بين القوات الداعمة للثورة وألوية الحرس الجمهوري الموالية للرئيس صالح، ليرضخ الأخير في النهاية لإرادة الشعب، ويوقع على المبادرة الخليجية، التي انتقلت بموجبها السلطة لنائبه منصور هادي.
الحوثيون الذين ركبوا موجة الثورة كأحد مكونات الشعب اليمني، بعد أن كانوا يوصفون بالمتمردين زمن الرئيس صالح، ودخلوا مع حكومته بعدة حروب، قاموا بحراك آخر ضد الرئيس الذي توافق عليه اليمنيون بعد الثورة، وبدأوا بحشد المسيرات، وإقامة الاعتصامات تحت شعارات مطلبية، ليتطور الوضع بعد ذلك لعمليات اختطاف لمسؤولين حكوميين، واشتباكات مسلحة مع قوات الأمن اليمنية، وينتهي بهم الأمر بالسيطرة على كامل مفاصل الدولة بقوة السلاح.
السجادة الإيرانية وعقد المنطقة
لم يعد خافيا على أحد الطموح الإمبراطوري التوسعي الإيراني في المنطقة المعتمد على حالة الفوضى الخلاقة التي خلقتها الولايات المتحدة في منطقتنا لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية، وإضعاف كل القوى، على حساب أمن حليفتها إسرائيل، وكما اشتهر الإيرانيون منذ قدم التاريخ بصناعة السجاد الفارسي، قاموا بنسج سياساتهم في المنطقة، ومد نفوذهم ونقوش سجادهم الفارسي على معظم دول المنطقة، فبعد سيطرتهم على العراق، وتدخلهم الفاضح في سوريا ولبنان، لم يفوتوا الفرصة بمحاولة السيطرة على اليمن، عبر ذراعهم المتمثل بجماعة أنصار الله، لبدء تحقيق حلمهم بالسيطرة على ضفتي الخليج العربي أو الخليج الفارسي، كما يروق لهم تسميته.
ولأن ملفات المنطقة السياسية متداخلة، لا يمكننا فصل ما يحدث في اليمن عن المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول ملفها النووي الذي طال التفاوض حوله، وهناك رغبة أمريكية متمثلة بالرئيس أوباما بضرورة الإسراع بحل هذا الملف، والتوصل لحل قبل انتهاء ولايته الثانية، فهل يأتي تدخل السعودية في اليمن -وهي الحليف الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة- محاولة للضغط على إيران، وحل بعض عقد سجادتها التي تنسجها في المنطقة، وحثها على تقديم بعض التنازلات فيما يخص ملفها النووي، أم أن السعودية قامت بهذه العملية بالتنسيق مع الدول النفطية الكبرى لتحريك أسعار النفط صعودا، ووقف نزيف اقتصادات الخليج تحت شعار حماية الشرعية في اليمن، ولماذا لم نر تحركا مماثلا ضد دول تم إسقاط الشرعية فيها برضى ومباركة منها (أي السعودية)؟.
وهل سنرى بعد هذه العاصفة العسكرية ربيعا سعوديا إيرانيا، وخاصة اذا ما تم حل الملفات العالقة بين إيران والغرب في وقت قريب، ليتم إعادة ترتيب أوراق المنطقة من جديد، وتكون كالعادة الشعوب الفقيرة والمقهورة هي الخاسر الأكبر.