فيما تتجمع نذر حرب كونية بالشرق الأوسط ويتورط فيها العرب دون خط رجعة. يواصل
التونسيون حمد الله على النجاة متوهمين سلامة المسار الذي أودى بثورتهم حامدين من الغنيمة الإيابَ بسلامة أجسادهم حتى حين. ينقذهم هذا التغابي الآن من رؤية تفاصيل مشهدهم المأسوي الخاص فيضخمون شهادات التقدير التي يتلقونها من دوائر المال والمخابرات العالمية لنجاح تجربتهم. فيفيقون كل صباح على مراهم التكاذب الذاتي على سرطان ردتهم الموغلة في الفشل والخراب. وليكتمل مشهد مداواة
السرطان بالمرهم يلعنون كاتب هذا المقال المتشائم.
هذا المقال يرى نذر حرب
الشرق الأوسط واصلة لا محالة إلى مغربه ويقف على خطاب الإقصاء الذي لا يمكن تغطيته بإفشاء السلام في وسائل الإعلام. هذا الإعلام الذي يلح على القتل الصريح فيدفع الشباب إلى داعش بسرعة الضوء ويغطي كل هذا على تغييب متعمد للمسألة الاجتماعية أم المشاكل وأم الحلول. في ما يلي تفصيل ذلك كما نراه في لحظة شجن عميق لم يمكن لعلم الاجتماع أن يغطيها.
حروب الشرق في المغرب
كان الناس (والحالمون منهم بالخصوص) ينتظروها غربا فإذا هي تذهب شرقا. الجيوش العربية تفتح عدن عوض عكا. ولا يبدو أن عكا على طريقها. الواقعيون قطعوا الأمل أن تتجمع جيوش عربية رسمية متجهة إلى فلسطين. ولكن الرجاء الباقي أن لا تزيد الحروب الخاطئة في الزمن الخطأ في تقسيم العرب المقسمين. فجر عاصفة الحزم حَزَمَ المخترقون بأموال النفط في تونس أمرهم وانبروا يدافعون عن أن تحرير عكا يمر بتحرير عدن. وقد كانت الأقلام والعيون موجهة إلى مقاومة الاختراق الإرهابي في تونس. فذهلت العقول عنه وانشغلت بغيره. وصار كل من يرى هذه الحرب خطأ أو ينتقد الموقف الداعم لها شيعيا أو صهيونيا. وتاهت بوصلة الشباب مرة أخرى وراء صواب توجهه دوائر الاستخبار والحسابات الدولية ضد الثورة العربية عامة وضد اليمن خاصة وضد فلسطين بالأخص. وبعد أن رفع شباب الربيع العربي في قمة ثورتهم شعار "الشعب يريد تحرير فلسطين"، ارتد القهقرى ليتناحر حول سلامة الموقف السعودي من الحرب على اليمن. وصلت حرب الشرق إلى المغرب العربي انقساما وتناحرا، وتبين أن عمق الاختراق المالي قد فاق كل الحدود. طبعا مع شحنة بالغة من التكفير والطرد من المِلَّة. ولكن الجميع يدهن ذلك بخطاب الصلاة على النبي فلا شيء يستدعي التنبه للاختراق.
الإقصاء والفرقة الداخلية تتعمق
ليس هذا هو الوجه الوحيد للإقصاء والتكفير فقد تبين أن معركة تونس مع الإرهاب في الداخل تنتج انقساماتها واستثماراتها الخاصة وتعيد إنتاج معارك الإقصاء بين فرقاء الجبهة الواحدة المفترضة ضد الإرهاب. يذهب الخطاب إلى اتفاق مبدئي ضد الإرهاب المسلح، لكن على الأرض يتهم البعض شركاء الوطن بتصنيع الإرهاب والاستثمار فيه. ويختلفون أمام العالم الذي جاء يتظاهر بالتضامن معهم فيجدهم شيعا متفرقين ضده. بما يكشف هشاشة الخطاب ونفاقه. ويعرف الإرهابيون ذلك فيمعنون في التهديد الساخر والتبجح. ويتم التلاعب الرسمي بالمعلومة فيتيه الناس عن حقيقة المعركة التي فرضتها الثورة أي المعركة الاجتماعية.
من يقف ضد الإرهاب حقيقة؟ ومن يستثمر فيه؟ أجهزة الدولة أم الأحزاب السياسية؟ أم أن الجميع يجد في ما يجري فائدة سريعة ووسيلة للكيد للخصوم في الداخل؟ كان الموقف الفرنسي من جريمة شارلي موحدا واختفت السياسة الحزبية أمام الكارثة وهو مثال يتكرر في الدول الديمقراطية التي تتعرض للتهديد الإرهابي رغم انها ديمقراطية مستقرة لا تهزها عملية واحدة مهما كبرت. الاختراق الإرهابي هناك لم يحصل من 11 سبتمبر مرورا بكل العمليات إلى حدود شارلي الفرنسية. لكنه حصل في تونس تحت أنظار العالم. وهي فرقة تكشف أن خطاب التوافقات السياسية هو خطاب مزيف للواقع وانه يستنزف نفسه قريبا لنقف أمام حقيقة الحرب الداخلية على أسس اقصائية إيديولوجية تنذر إما بتجدد الصراعات القديمة غير المنتجة والعودة إلى مربع الاحتراب الداخلي الذي أفرغ النضالات السياسية من مضمونها منذ أول الثمانيات وعطّل كل مشروع وطني اجتماعي رغم التذكير الدّموي الذي جاءت به الثورة أو تدفع إلى الذوبان في النظام القديم الفاسد بلا هوية ولا مشروع.
إن رفع لافتة التوافق في الخطاب والاستثمار في الإرهاب تحتها في الممارسة هو جوهر عمل ماكينة النظام القديم التي تدفع/تجذب خصومها إلى حضنها بوضعهم أمام خيار جورج بوش إن لم تكن معنا فأنت بالضرورة ضدنا والذين اضطروا للسير مع النداء اليوم في مسيرة ضد الإرهاب هاربون من القطرة (الاقصائية) إلى ميزاب (الذوبان السياسي في العدو القديم) إنها أجواء الميثاق الوطني لسنة 89 التي اخرس بها بن علي وتجمعه المتجدد كل الألسن وكسر بها كل الإرادات.
الإعلام الفاسد يواصل دعشنة الشباب
لم يعد خافيا أن الانفلات الإعلامي باسم الحرية قد أحبط الناس وخاصة الشباب منهم وهو يدفعهم يوميا إلى التشفي من الدولة ومن المجتمع. لم يعد الإرهابي مكروها ومنبوذا. لم يلتحق به الشباب بصفة جماعية لكن ما سمعناه من خطاب التشفي في الأجهزة الأمنية باعتبارها وجه الدولة الظاهر في مقاومة الإرهاب يحيل إلى حالة إحباط كارثية بالفعل. انه ليس انتماء للإرهاب ولأجندته المسيرة من جهات كثيرة ولكن الإدانة العقلية المتروّية له تضعف وتختفي ويحل محلها منطق (خليها تخرب على رأس النظام) مهما كان الفاعل. انه منطق عدمي وجد في الألم الذي يسببه الإرهاب للأجهزة وللنظام سلوى وفرجا عاطفيا. انه إحساس فقد الانتماء الذي تحرضه أسباب كثيرة منها الطرق الإعلامي المتواصل بلا انقطاع منذ فجر الثورة على مشروعها ومطامحها ومطالبها في الحرية الفعلية والعدل والتنمية. لقد دفع الإعلام الشباب إلى فقدان الأمل من انجاز ما. فإذا جمع الشباب المحبط نتيجة الانتخابات المخيبة لآماله (التي أعادت له نظام الفساد والاستبداد بوجوهه المكروهة) إلى فشل المعارضات والأحزاب التي كان يعتقد انها وطنية. فإنه لا يرى إمامه إلا الخيبة المتعاظمة. فيكون أمامه حل وحيد كره النظام وتمني خرابه ولا يهم من يفعل ذلك طالما الانتقام مرغوب في ذاته. وهنا يحصل الإرهاب على ما يريد.إنه يتحول إلى ملجئ نفسي. وهناك يصطاد الإرهابي طرائده ويحسن غسيل عقولها وتوجيهها. وتعجز الأحزاب والقوى السياسية والجامعة والمدرسة عامة عن تدارك ما فعلت بها لوبيات الإعلام والسياسة القصيرة النظر.
الفساد خارج التغطية.
الشباب يكرر الأسئلة
• أين الشفافية في قضايا الطاقة والمناجم ؟
• أين محاسبة الفساد الذي خرّب الدولة؟
• أين المشاريع التنموية التي وعد بها المرشحون؟
• أين إصلاح التعليم وتطوير سوق الشغل واستيعاب الخرّيجين؟
• أين مطالب الثورة الاجتماعية في التنمية المستدامة في الجهات؟
• أين الانتخابات البلدية و بناء الإدارة الجديدة كما حددت في الدستور؟
الإجابة الوحيدة الجاهزة كونوا معنا في مقاومة الإرهاب... وهي إجابة تصنع الإرهاب. فالمراهم لا تداوي السرطان.