نشرت صحيفة "هفنغتون بوست" الالكترونية، بنسختها الفرنسية، مقالا حول سبل الانتصار على
تنظيم الدولة، مشيرة إلى أن موضوع الساعة في دول العالم كافة هو البحث عن حل لمواجهة هذا التنظيم الذي أظهر قوة وخطورة لا يستهان بهما.
وأشار المقال إلى وجود حل لم يتم التطرق إليه حتى الساعة، وهذا ما سعى إلى إظهاره "بير جون لويزارد" في كتابه "فخ داعش" الذي أثار جدلا واسعا، بعد تصريحه بأن كل القيم التي يحملها الغرب تتعارض مع ما يدافعون عليه، حيث يبرز الكاتبان بطريقة أو بأخرى طرحه غير المألوف حول صراع الحضارات.
وأضاف المقال أن كافة الحكومات تسعى إلى البرهنة بأن الحل الأمثل يكمن في تدخل عسكري، في الوقت ذاته تسعى هذه الحكومات الى إظهار أن التدخل العسكري سيقدم لتنظيم الدولة حافزا للقتال حتى الرمق الأخير. فقط هناك العديد من الأسئلة الفلسفية التي تطرح اليوم، وستظل تطرح من هنا فصاعدا، خصوصا حول ما يتعلّق بعملية تمويل العملية وتسليحها و حجم الأموال المتراكمة بفضل التمويلات البترولية.
وأكد المقال أن تنظيم الدولة اليوم ينتصر مرة أخرى على الواقع، ويستمر في عمله
الإرهابي منذ اندلاع الثورة في تونس التي كان ينظر اليها باعتبارها نموذجا في التقدم. وفي النّهاية، عندما نحلل هذه المطالب انطلاقا من رؤية جون بيير لويزارد، سنأخذ أنفسنا في جولات عديدة بما أن سبل العلاج هي نفسها: صدمة الغرب.
وأشار المقال إلى أن تنظيم الدولة لا يحمل من الإسلام غير الاسم، فهو يصوغ خطابا مخادعا لا يرتكز على قواعد صلبة ومتينة، رغم أن الانتحاريين يقولون إن
الاسلام أساس كل نظامهم.
ويقول المقال إنه ليس من الصعب استقطاب أفراد مغرر بهم متحمسين للانضمام للتنظيم. والمعادلة في هذه الحالة مختلة: ليس من السهل على الأغلبية الساحقة من
المسلمين في العالم أن تلتزم بتعاليم الإسلام فعلا وممارسة في واقعنا اليوم، في المقابل هناك أقلية طفيفة تقول إنها تطبق الإسلام فعلا وإيمانا، وهذه الأقلية الطفيفة لا تريد ان تقدم صورة الاسلام التي تسعى الأغلبية الساحقة الى تمريرها.
ويلعب الإعلام دورا فعالا في المسألة، إذ تبين وسائل إعلام عديدة أن تنظيم الدولة هو الصورة الوحيدة للإسلام، وهذه مغالطة كبيرة جدا.
وفي هذا السياق، أكد التقرير على أن محمدا هو نفسه النبي الذي صاغ من الصبر قيمة أساسية خصوصا مع التكامل الروحي، ونقل التقرير قول غاندي:
"’أنا مقتنع أكثر من أي وقت مضى، أن السيف لم يكن له الفضل في تشييد مكان للإسلام في قلوب من سعوا إلى اتخاذه طريقا لحياتهم. بل كان الفضل لذلك التواضع العظيم، والآثار العظيمة للنبي، واحترامه العظيم لواجباته، وإخلاصه الشديد لأصدقائه وأتباعه، وجسارته، وقوّته وثقته المطلقة بالله وبمهمته النبيلة".
وتساءل كاتبا المقال: كيف كان ذلك الرجل، الشخص الذي تنزل عليه الوحي في شكل دستور مكتوب يضم ميثاقا للتسامح؟ وهل يكون ذلك الكتاب مبررا لمثل تلك الأفعال الشنيعة (التي يقوم بها تنظيم الدولة)؟
وقال المقال إن من يلتحقون اليوم بتنظيم الدولة هم في الواقع لا يمتون للإسلام بصلة، ومن الواضح أنهم في طريقهم إلى تدمير الشرق الأوسط وتراثه الثقافي، مع تدنيس قبر النبي أو العلماء الذين يشهد لهم الإسلام بعطائهم. فهم لم يفهموا قيم التسامح الكبيرة عبر الإيثار أو عبر النبي الكريم الذي جاء بالإسلام. وللوقوف على حقيقة نبي الإسلام، لا بدّ من استيعاب العديد من الدروس.
وقد امتد فخ الإرهاب إلى الغرب، حيث يرى تنظيم الدولة أن الغرب لم يقم بقراءة الإسلام، وحتى وإن كانت له قراءة فهي قراءة خاطئة.
ويرى المقال أن الانتشار الكبير لتنظيم الدولة في الساحة الإعلامية هيأ له مساحة لأخذ وعود في الغرب. الآن هناك خوف من هجمات إرهابية رغم يقظة المخابرات الغربية. وللرد على ذلك، يرى المجتمع أن التصويت لفائدة أحزاب سياسية تحمل توجهات عنصرية سيقضي على المشكلة، وهنا تكمن المغالطة، لأن ذلك سيعطي مبررا للتنظيم لزيادة دمويته.
ورأى كاتبا المقال أن شيئا واحدا مؤكدا، وهو إذا كان تنظيم الدولة يرغب بالتحدث باسم الإسلام، فإن الإسلام لا يرغب به. فمع ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، ستضطر الديمقراطيات الغربية إلى إعادة النظر في الدور الذي لعبته في المنطقة. يجب أن نستفيد من غزو العراق، ومن ضرب السودان وليبيا، ومن الاضطرابات التي سنحدثها في تلك الدول، لأنه في الواقع يمكن أن يطرح موضوع تنظيم الدولة في سياق ما ولا يمكن إرجاع كل التبعات إليه.
وقال المقال إن الديمقراطيات الغربية رأت بأن الحل لا يكمن في الإسلام. ولكن الواقع أن التهديد الأكبر للتنظيم يكمن في الإسلام وفي قوّة الإسلام الحقيقية. القوة الحقيقية في الإسلام تتلخّص في التعليم والصبر، ولهذا من الصحي أن يكون للمسلمين صفاؤهم الروحي. ومن السهل اليوم الإثبات بأن مفتاح التصدي للتنظيم ولهجمات باريس وهجمات تونس يكمن في الإسلام وليس بمعزل عن الإسلام.
فقط من خلال استكمال هذا العمل الفذ بنجاح ، سيكون المسلمون، ومسلمو فرنسا خاصة، قادرين على مكافحة التطرف من أي نوع وبفعالية. وبالنسبة للمسلمين في الشرق الأوسط، فهذا العمل الفذ يمكن أن يتحقق من خلال محاربة الفساد وإقامة العدالة الاجتماعية التي هي من ركائز الإسلام.
وأكد المقال أن القرآن نفسه يعلم العدالة ويسعى إلى إرساء النظام، فالقرآن يعلم أنه في حالة وجود اضطراب في العلاقات الدولية، يجب عدم التسرع في دخول الحرب، بل يفضل احترام العدالة. هذه المفاهيم ذاتها هي في كفن النسيان للعديد من المسلمين. لذلك نلاحظ أن الحل ليس فريدا من نوعه، بل حل مزدوج: فهو يتطلب إصلاح المسلمين لسلوكهم، لجعلها أكثر اتساقا مع القرآن الكريم، ومراجعة نقدية للغرب على سياسته في الشرق الأوسط لأكثر من قرن.