نشرت مجلة سلايت الفرنسية تقريرا حول العملية الإرهابية التي شهدتها
تونس قالت فيه إن "هذا البلد الذي يمثل مثالا للنجاح مدعو اليوم للحفاظ على وحدته الوطنية وتجنب الدخول في دوامة القمع والتضييق على الحريات".
وذكر التقرير أن يوم الثلاثاء 18 مارس/ آذار شهد ظهور رجلين مسلحين في المتحف الأثري بباردو في العاصمة التونسية وقيامهم باحتجاز مجموعة من الرهائن وقتل 19 شخصا. ورغم أن المسلحين الاثنين قتلا فإن الأكيد أن متطرفين آخرين مازالوا موجودين في أماكن أخرى.
وأضاف التقرير أن دوافع منفذي الهجوم والجهات التي دعمتهم لم تتضح بعد، ولكن الأكيد هو أن هذه العملية ستلقي بظلالها على الانتقال الديمقراطي في تونس والديمقراطية الناشئة التي يحاول التونسيون إرساءها.
ووصف التقرير العملية بأنها حاجز جديد يعترض طريق تونس التي تجد نفسها بين فكي كماشة المشاكل الأمنية في الجزائر وليبيا، بعد نجاحها في الحفاظ على
الربيع العربي بفضل التنازلات والتسويات السياسية التي أنجزها الفرقاء السياسيون.
وهو أمر اعتبره التقرير نقطة مضيئة في ظل ما حصل في الدول الأخرى حيث غرقت ليبيا في الفوضى والعنف وعادت مصر بعد فسحة ديمقراطية قصيرة لترزح تحت سطوة الحكم العسكري.
واعتبر التقرير العملية الإرهابية في تونس اختبارا مصيريا للانتقال الديمقراطي، لأنه إذا تفاعل المسؤولون السياسيون مع هذا الحدث بشكل سلبي، وفسحوا المجالات للانقسامات القديمة وتصفية الحسابات لتطغى على صوت الحكمة والوطنية فإن تونس ستسقط في نفس الأخطاء التي أدت لإفشال الثورات في مصر وليبيا.
وذكر التقرير في هذا السياق بالاغتيالات التي شهدتها تونس في سنة 2013 والتي كادت أن تعصف بالمسار السياسي والمصالحة الوطنية.
حيث تعرض المجلس التأسيسي لشلل تام لمدة أشهر، وتم إغلاق أبوابه أمام الحوار وتبادل وجهات النظر، وهو ما يعني أن الإرهابيين في ذلك الوقت حققوا أهدافهم الحقيقية، ولكن تمكنت تونس في ذلك الوقت من تجاوز الأزمة بفضل عزيمة المعسكرين الأبرز في الساحة السياسية، الإسلاميون المعتدلون والعلمانيون الواقعيون.
وتمت إعادة فتح أبواب المجلس التأسيسي، وعادت الحوارات والنقاشات، وأدى ذلك في النهاية لتقديم تنازلات وتحقيق تفاهمات توجت بتنظيم الانتخابات في نهاية سنة 2014 في كنف الديمقراطية والسلمية، وتحقيق انتقال سلس للسلطة بطريقة حضارية غير مسبوقة في المنطقة.
وأكد التقرير على أن خطورة الهجوم الإرهابي على
باردو تكمن في تشجيعها للنظريات المتطرفة التي ظلت إلى حد اللحظة مهمشة من طرف الطبقة السياسية التونسية، حيث أن الأصوات المتطرفة من جهة الإسلاميين كما من جهة العلمانيين قد تستغل هذه المأساة لتنفيذ أجنداتها وتتخذها ذريعة للتسويق للكراهية والانقسام واستئصال الخصوم الإيديولوجيين.
ففي داخل حزب نداء تونس الذي يقوده الباجي قائد السبسي، من المؤكد أن البعض سيدعون إلى اعتماد سياسات استبدادية تحت ذريعة محاربة الإرهاب، بما أن الكثيرين من أعضاء هذا الحزب يعتقدون أن الإسلاميين بجميع أطيافهم إرهابيون، وسوف تمكنهم هذه العملية من التسويق لأفكارهم وتحقيق نجاح نسبي في ذلك.
وذكر التقرير في هذا السياق بخضوع الباجي قائد السبسي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية لضغوطات هؤلاء المتطرفين، وتبنيه لفكرة وصف خصومه السياسيين بالمتطرفين، رغم أن هذا الاتهام خاطئ ويمكن أن يؤدي إلى الفوضى.
ولهذا فمن المهم أن يكون قائد السبسي رئيسا لكل التونسيين ويتجاهل الأصوات التي تحشد للانقسام والفتنة، ويواصل العمل مع الإسلاميين المعتدلين لإرساء مناخ آمن دون التضحية بالمسار السياسي، الذي تحقق بفضل التضحيات والتسويات المؤلمة أو التضحية بالحريات الأساسية للتونسيين.
كما أشار التقرير إلى أن الطرف السياسي البارز الآخر وهو حركة النهضة يتوجب عليه مواصلة العمل بذكاء مع الحكومة وتجنب الانجرار وراء التراشق بالتهم والخطابات التي تحمل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك.
وقال التقرير إن تجنب كلا الطرفين للخطاب المتشنج لن يكون أمرا سهلا، ولكنه يبقى أمرا ضروريا جدا لأن هذه الأحداث المأساوية تكون عادة مناسبة سانحة لاتخاذ القرارات الخاطئة، حيث أن التونسيين وعلى عكس الجارين الليبي والمصري نجحوا لحد الآن في تجنب الأخطاء التي قد تسبب الفوضى أو الانقسام.
ولاحظ التقرير أن مكان وقوع الهجوم الإرهابي وهو متحف باردو يقدم صورة تاريخية مهمة للنخبة السياسية في تونس، حيث أن المتحف يعرض آثار حضارة قرطاج التي تعرضت للهزيمة والتدمير قبل ألفي سنة على يد الرومان بسبب انقسام الطبقة السياسية القرطاجية وانشغالها بالخصومات الداخلية، عوض التركيز على المصلحة الجماعية المشتركة، وهي مواجهة الخطر الروماني.
ونقل التقرير عن رئيس الوزراء الحبيب الصيد قوله إن التونسيين مدعوون للاتحاد في مواجهة الهجوم الإرهابي الذي يستهدف الاقتصاد التونسي، حيث أن أغلب الضحايا هم أجانب وهو ما قد تكون له استتباعات كارثية على قطاع السياحة الذي يعتبر قطاعا حيويا في الاقتصاد التونسي.
وحذر التقرير من أن هذا الهجوم قد لا يكون الأخير بالنظر لصعوبة ضبط الحدود بسبب الفوضى في ليبيا واختباء خلايا إرهابية في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر. كما أن تونس ينحدر منها أكبر عدد من المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق، وهؤلاء المقاتلون قد يعودون لنشر الفوضى في أي وقت.
وفي الختام قال التقرير إن تونس ستحتفل بعد يومين من الهجوم الإرهابي بعيد استقلالها، ومن المنتظر أن يقوم الرئيس الباجي قائد السبسي بدعوة رئيس حركة النهضة وزعماء سياسيين آخرين للالتقاء بهم في القصر الرئاسي، ليعبر الجميع بصوت واحد عن أن تونس متحدة وآمنة وديمقراطية ولن تحيد أبدا عن الطريق، ولن تصبح دولة يسيطر عليها التطرف الديني أو الاستبداد السياسي.