نشرت صحيفة "لوريون لوجور" الفرنسية، الثلاثاء، تقريرا حول تاريخ الطائفة العلوية التي ينحدر منها بشار الأسد والمخاوف التي تحركها في ظل الصراع الدائر في
سوريا، وقالت إن هناك من يتهم هذه الأقلية اليوم بدعم نظام الأسد، فيما يدافع آخرون عنها باعتبارها ضحية للحركات "المتطرفة" التي تنشط في سوريا.
وينقل التقرير الذي تلخص "عربي21" هنا أهم مضامينه، عن برونو باولي، الباحث في المركز الفرنسي لدراسات الشرق الأوسط، أن العلويين يمثلون حاليا بين 10 و12 في المئة من الشعب السوري، حيث يبلغ عددهم بين مليونين ومليونين ونصف المليون نسمة، يتمركزون بشكل خاص على الساحل في اللاذقية وطرطوس.
ويوضح التقرير أن العلويين ليسوا طائفة واحدة متجانسة، إذ يوجد بينهم من ينتمون للطائفة المرشدية (نسبة إلى سلمان المرشد) التي تمثل بين 10 و20 في المئة منهم، كما أنهم منقسمون لعدة قبائل، من بينها الحدادين والخياطين والمطاورة. ولكن هذه التقسيمات لم تعد بارزة اليوم، ولم يعد لها تأثير على العلاقات، باستثناء الانقسام بين العلويين والمرشدية، الذي بقي حاضرا بقوة، حيث تعد إلى اليوم علاقات المصاهرة والصداقة بينهم أمرا نادرا.
وأضاف التقرير أن الصراع الدائر حاليا تسبب بتهجير الملايين من السوريين، بمن فيهم
العلويون، حيث أن الحرب كانت مناسبة لممارسة التطهير الطائفي، إذ قام طيران ومدفعية النظام بتدمير أحياء بأكملها في دمشق وحمص وحلب ودير الزور، بالإضافة لمدن أخرى في وسط سوريا، لطرد المقاتلين السنة وطرد المدنيين أيضا. وفي المقابل مارست بعض المجموعات المسلحة التطهير الطائفي في المدن المختلطة، مثل بيت رابعة الواقعة قرب حمص، التي شهدت في صيف سنة 2012 طرد المسلحين المسيطرين عليها لثلاثين عائلة علوية تعيش هناك منذ سنة 1959، كما تقول الصحيفة الفرنسية.
ونقلت الصحيفة عن فابريس بالانش، الخبير في الجغرافيا السياسية لسوريا ولبنان، أن العديد من العائلات العلوية في دمشق وحمص عادت لتستقر في منطقة الساحل، لأنها كانت مهددة في المدن الكبرى، حيث شهد بالانش هجرة عائلة بأكملها من مدينة حلب نحو مدينة طرطوس، لأنها تعرضت لتهديد كبير، رغم أن أفرادها ولدوا وعاشوا في حلب، ولكن في هذه الفترة سيطرت مشاعر الكراهية على جميع الأطراف، كما يقول بالانش.
وتلفت الصحيفة إلى أن العلويين لعبوا على شعارات القومية والعروبة، واعتمدوا على حزب البعث للبقاء في السلطة وتجنب أي حساسيات مذهبية قد تعصف بحكمهم، ولكن ما إن اندلعت الحرب في سوريا حتى تحول الأمر بسرعة كبيرة إلى صراع طائفي بين السنة والعلويين.
وقد فسر فابريس بالانش هذا الأسلوب بأن العلويين، وعدة أقليات أخرى في سوريا، دخلت تحت مظلة الإيديولوجيا البعثية لتصعد إلى سلم السلطة والنفوذ، وتؤمن لنفسها الحماية من التهميش الذي قد تتعرض له من قبل الأغلبية. وأضاف أن الطائفة العلوية بقيادة عائلة الأسد احتاجت لفكر سياسي تخبئ وراءه نزعتها القبلية والطائفية، ووجدت ضالتها في حزب البعث.
وأشار التقرير إلى أن الصراعات
الطائفية كانت ولا زالت موجودة في سوريا كما في لبنان، ولكن الفرق بينهما هو أنها لم تكن ظاهرة، لأن بطش النظام السوري جعل الجميع يردد شعار "كلنا عرب سوريون".
وتساءل التقرير حول وضع العلويين في سوريا بعد مرور أربع سنوات على بداية الثورة. وأضاف أن السؤال الأهم هو: هل سيبقى العلويون ملتفين حول بشار الأسد، أم أن هذه الطائفة ستشهد انقسامات بسبب سوء تعامل النظام مع الأزمة؟
وأكدت في هذا السياق أن الانشقاقات حدثت بالتأكيد، حيث أن جزءا من العلويين التحق بالمعارضة، من بينهم مثقفون يساريون ينحدرون من عائلات مهمة كانت قد تعرضت للتهميش من قبل النظام البعثي، لكن الأغلبية الساحقة من هذه الطائفة بقيت ملتفة حول بشار الأسد بحجة خوفها الكبير من عمليات الانتقام التي قد تتعرض لها في حالة انهيار النظام.
وأشار التقرير إلى أن حوالي 90 في المئة من العلويين يعملون في الوظائف الحكومية، مثل الجيش والشرطة والإدارة والمصانع المملوكة للدولة، وهذا يعني أنهم يواجهون أيضا خطر فقدان وظائفهم على الأقل إذا تغير نظام الحكم في سوريا.
كما لفت التقرير إلى أن العلويين يتصفون بنزعة قبلية حادة، وقدرة على الصمود والمواجهة بسبب قرون من الصراعات الطائفية التي شهدتها المنطقة، وهم اليوم يظهرون أكثر صلابة مع اتخاذ الحرب بعدا طائفيا، حيث أصبحت هذه المعركة بالنسبة لهم معركة وجود، لذلك هم مجبرون على الوقوف وراء نظام نجح في استغلال أخطاء خصومه، ليقدم نفسه كمنقذ للأقليات من تطرف المجموعات المسلحة التي تحارب ضده.