الخبر السار أن
معبر رفح فتح خلال يومى الاثنين والثلاثاء هذا الأسبوع، بعد إغلاق استمر نحو خمسين يوما. أما الخبر المحزن فإن المعبر سيعاد إغلاقه اليوم ربما لخمسين يوما أخرى. وإذا أردت أن تعرف الخبر المؤسف فهو ان رئيس الهيئة القطرية لإعادة إعمار
غزة دخل إلى القطاع أمس الأول، الثلاثاء، عن طريق معبر ايريز الذى تسيطر عليه إسرائيل، متجنبا الدخول من خلال معبر رفح فى الجانب المصري. وحدث ذلك بعدما صدمنا بخبرين مخجلين آخرين، أحدهما الحكم الذى صنف كتائب عز الدين القسام التى تقف فى طليعة قوى المقاومة الفلسطينية باعتبارها جماعة إرهابية، والثانى الحكم اللاحق الذى ألحق حركة حماس ضمن القائمة السوداء واعتبرها بدورها حركة إرهابية.
هذه الحزمة من الأخبار داهمتنا هذا الأسبوع، بجرعات قل فيها المعقول أو ندُر، فى حين غلب عليها العبث واللامعقول. ورغم تنوعها إلا أنه يجمع بينها أربعة قواسم مشتركة، الأول أنها تتعلق بالموضوع الفلسطينى وإن اختلفت فيه الزوايا والعناوين. الثانى أنها وثيقة الصلة بمشكلات عالقة لا يرى أمل فى حلها. الثالث أنها جميعا من تداعيات الموقف الذى استجد فى مصر ابتداء من شهر يوليو 2013. القاسم المشترك الرابع أنها من قبيل الأخبار التى تؤرق الضمير وتوجع القلب. حتى السرور بفتح معبر رفح ليومين يظل منقوصا ومجرحا. لأنه ربما حل مشكلة بضع مئات من ذوى الحاجات الراغبين فى السفر، إلا أن وراءهم نحو عشرة آلاف آخرين ينتظرون دورهم ولا يعرفون متى يأتى الفرج. وهم بين مرضى يلتمسون العلاج وطلاب يدرسون وأصحاب أعمال لهم ارتباطاتهم ووظائفهم.
من زاوية أخرى فإن حزمة الأخبار تتوزع ما بين الأخطر إنسانيا والأخطر سياسيا. وأزعم ان استمرار إغلاق معبر رفح بما يستصحبه من تشديد الحصار على غزة وتحويلها إلى سجن كبير هو الأخطر إنسانيا. أما وصم كتائب القسام وحركة حماس فهى الأخطر سياسيا، من حيث ان فيه من الإساءة إلى مصر بأكثر مما فيه من الإساءة إلى المقاومة الفلسطينية. ليس فقط لأن الاتحاد الأوروبى عدل عن الموقف الذى تورطت فيه مصر، ولكن أيضا لأنه لم يعد فى العالم سوى أربع دول فقط تعتبر حماس حركة إرهابية. وهذه الدول هى إسرائيل وأمريكا وكندا ومصر!
إننا إذا ميزنا بين ما هو عاجل وما هو ضرورى فى المشكلات السابق ذكرها، فسنجد ان قضية معبر رفح هى الأمر العاجل (لاحظ أن ممثلى الأمم المتحدة ناشدوا مصر أكثر من مرة ان تفتح المعبر)، أما إعادة النظر فى اتهام حركة حماس وكتائب القسام بالإرهاب وأمن سيناء فهو الضرورى الذى ينبغى أن يعالج يوما ما.
أدرى أن الرأى العام فى مصر تمت تعبئته وإقناعه بأن إغلاق معبر رفح يخدم الأمن القومى للبلاد، وان حماس وكتائب القسام ضالعون فى الإرهاب، وفى قتل الجنود المصريين فى سيناء. بل كان لهم دورهم فى اقتحام السجون وقتل المتظاهرين أثناء الثورة (عام 2011). وهذ الانطباعات تحولت إلى مسلمات ليس فقط لدى عوام الناس الذين غسل الإعلام عقولهم، ولكن أيضا لدى كبار المسئولين وبعض عناصر النخبة من المثقفين والسياسيين. بالمقابل فإن حماس وكل الذين يعرفونها من عناصر المقاومة وأهل السياسة والمثقفين المنصفين، جميعهم يؤكدون ان معركة حماس مع إسرائيل فقط، وانها لم تتدخل في أي شأن داخلي لأي بلد عربي. ومنهم من يذكر أن الأنفاق كانت مفتوحة على آخرها طوال عهد مبارك ولم تمثل تهديدا لأمن مصر. كما ان معبر رفح تم فتحه بصفة دائمة ببعض الضوابط بعد ثورة يناير 2011، فى ظل حكومة الدكتور عصام شرف، ولم يسبب أى مشكلة أمنية للبلد. ولكن المتغير السياسى الذى شهدته مصر فى عام 2013 أحدث انقلابا فى هذه العلاقة. وكان العنصر الأساسي فيه هو الصراع بين السلطة الجديدة والإخوان، الذى استثمرته أطراف عدة على نحو أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه.
معلوماتي أن موضوع معبر رفح الذى وصفته بالأمر العاجل كان محل مناقشة فى الاجتماعات التى عقدها فى القاهرة قبل أسبوع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامى الفلسطينى الدكتور رمضان شلح مع المعنيين فى المخابرات العامة. وأن المناقشات تطرقت إلى ما هو ضرورى ممثلا فى مجمل العلاقة بين حركة حماس والسلطة المصرية. وقد فهمت ان الحوار كان استكشافيا وانه سوف يستكمل فى جولات قادمة. ورغم أننى لست على إحاطة بجميع ما جرى، إلا أن ما أعرفه يمكن تلخيصه في النقاط التالية:
• إن الوقائع والاتهامات التى تستند إليها مصر فى مخاصمة حماس لاتزال بحاجة إلى تحقيق نزيه تقوم به جهة محايدة، خصوصا أن حماس تنكرها بالكلية وتعتبرها راجعة إلى دوافع سياسية وليس إلى أدلة مادية.
• إن أطرافا ذات مصلحة واصلة إلى الآذان المصرية عملت على إفساد وتسميم العلاقة بين الطرفين طول الوقت. هم يخصون بالذكر فى ذلك المخابرات الإسرائيلية وأطرافا أخرى فى أجهزة السلطة فى رام الله.
• إن سلطة رام الله تسوِّف فى استلام إدارة المعابر وعلى رأسها معبر رفح، رغم أنها دعيت إلى ذلك مرات عديدة بعد توقيع اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة التوافق بين فتح وحماس فى شهر أبريل عام 2014. وهو الاتفاق الذى ينص على مشاركة الطرفين في السلطة.
• إن إغلاق معبر رفح وفتحه ليومين أو ثلاثة كل شهرين يخنق القطاع ويشكل وضعا يتعذر استمراره. ولا يستبعد أن يؤدى إلى حدوث انفجار هناك لا تعرف عواقبه.
• إنه يتعين الحذر من المراهنة على إقصاء حماس وإخراجها من المشهد فى القطاع، لسبب جوهرى هو انها إذا خرجت فإن
داعش هى البديل المرشح لملء الفراغ الناجم عن ذلك. وينبغى ألا ينسى أن حماس هى التى أوقفت تمدد تنظيم «القاعدة» فى القطاع. ومعلوم أن أنصار التنظيم المذكور كانوا قد نشطوا فى رفح وخان يونس، وأعلن «أميرهم» غزة إمارة إسلامية فى خطبة ألقاها خلال شهر أغسطس عام 2009 من مسجد «ابن تيمية»، وكانت سلطة حماس هى التى أجهضت العملية آنذاك. إلا أن «السلفية الجهادية» لايزال لها أنصارها بالقطاع. وإذا حلت داعش بغزة فإنها ستصبح على أبواب سيناء. وفي هذه الحالة فسيكون على من استحضر العفريت أن يصرفه.
(نقلا عن صحيفة الشروق)