من الإجحاف القول إن نتائج المرحلة الراهنة كانت نتيجة تعاطٍ سيئ وإفراز خاطئ فعلته الأحزاب
اليمنية، إذ إن الرئيسين الحالي والسابق "هادي وصالح" يتحملان الجزء الأكبر من المسئولية، وبعدهما يأتي الدور على الأحزاب التي لم تتنبه جيداً لرغبة صالح الانتقامية، وتماهي هادي مع المقترحات والتوصيات القادمة إليه من سفارات واشنطن ولندن.
فالرئيس السابق ضرب خمسة أهداف بحجر واحد، وهي العضلة الحوثية الباطشة، حيث أمدها بالمال والرجال والسلاح ومن خلالها انتقم من آل الأحمر واللواء علي محسن وحزب الإصلاح والرئيس هادي، واختتم انتقامه من دول الخليج والسعودية تحديداً التي ضغطت عليه للتوقيع على المبادرة الخليجية، والخروج من السلطة.
صحيحٌ أن الأحزاب السياسية كانت ضعيفة وتصرفت بلا رؤية ولا أفق أو خيال، وظلت متناحرة أو مستخفة بالوضع السياسي، ومركزة على الصغائر، أو تنظر للنتائج من زاوية واحدة، لكنها أصابت حين اجتمعت على كلمة سواء في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ونتائجه لو تحقق منها 50% فقط، لتحولت اليمن إلى دولة قوية، وأصابت أيضاً عند جر الحوثيين إلى ميدان
السياسة، لكنهم تنمروا وتعنتروا لأنهم يدركون أن من خلفهم أمريكا والغرب داعمين وساندين، وظلوا يمارسون الضغط على الآخرين مقابل تحقيق نجاحات وقفزات كبيرة للحوثيين.
وأخطأت الأحزاب السياسية في التعويل على المبعوث الأممي بنعمر، ومنح الرئيس هادي ثقة مطلقة، وصفقت كثيراً لقرارات هادي، وهي قرارات كاذبة، وخادعة فمثلاً حين أصدر هادي أول قراراته بتغيير قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، اللواء مهدي مقولة، قام بترقيته إلى نائب لرئيس هيئة الأركان، وهنا قام الإعلام الموالي وإعلام الثورة بامتداح ذلك القرار، وعرضت القنوات والصحف خبراً عنوانه "إقالة اللواء مهدي مقولة من منصبه" !!
من قال لكم إنه أقيل.. هذا رجل ترقى إلى منصب أعلى، لمَ تضللون أنفسكم وتضللون الآخرين بقرارات وهمية.
وأخطأت الأحزاب حين لم تمنح شباب الثورة دورهم الحقيقي، بل ظلت تمارس التضليل والكذب والعنصرية والحزبية..
وكان خطأها الأعظم حين قبلت بتقسيم الثورة مناصفة بين الضحية والجلاد.. منطق الثورات لا يقبل القسمة على اثنين، إما أن تنجح الثورة مثلما حصل في مصر 1952 وفي إيران 1979 أو تفشل كما حدث في كوريا الشمالية 1955، ومنطق التاريخ يقول إن الثورات الناجحة التي تقضي على الأنظمة الفاسدة لها نتيجتان، إما أن يكون رموز النظام السابق في المقاصل والسجون أو في المنافي، أما أن يتشاركوا مع الثورة بنصف مقاعد الحكومة فهذه مهزلة... ولو أن قادة الأحزاب السياسية التقطوا الفرص التاريخية التي منحها القدر لشباب الثورة وتركونهم يزحفون إلى القصر لكانت الكلفة أقل مما هي عليه الآن، فالدماء التي أريقت والأرواح التي أزهقت في عهد هادي في ثلاث سنوات تفوق ما أزهق في عهد سلفه في ثلاثين سنة، هناك فرصة أهدرت في جمعة الكرامة 18 مارس، وفرصة يوم انضمام اللواء علي محسن للثورة في 21 مارس، وفرصة يوم تفجير جامع النهدين وإصابة صالح ورجال نظامه في 3يونيو، وكلها في عام الثورة 2011، وكان الساسة يقولون لشباب الثورة الدماء غالية علينا، ولا نستطيع دفع كلفتها.
أما خطأ المؤتمر الشعبي العام "حزب صالح" في هذه اللحظة فهو التحالف مع المليشيات الحوثية المسلحة من أجل الانتقام من خصوم صالح، وتفكيك سلطة هادي، مع ضرورة الإشارة إلى أن هادي لم يبن نظامه الخاص طوال فترة حكمه، وظل مستنداً على رجال نظام صالح.
المشكلة الآن هي فرض خيارات السياسة بقوة السلاح، والتعويل على الخارج خاصة الغربي منه، هناك مؤامرة كبيرة تحدث الآن، "نظرية المؤامرة" تتجلى في الداخل اليمني، الغرب قلق من تنامي نشاط تنظيم القاعدة في اليمن، والحوثي قدم نفسه للغرب بدور المقاول، ولذلك يتابع المراقب السياسي أن الطرف الذي يملك السلاح، وهم
الحوثيون يقدمون إملاءات اعتباطية، تتنافى مع القانون والدستور، وحتى مع طبيعة النظام الجمهوري، وتقوض بنية الدولة اليمنية، ومع ذلك لا أحد من السفارات الأجنبية الراعية للمبادرة الخليجية يعترض.
وربما يكون أفضل الحلول الآن أن تضغط دول الخليج على هادي بتعيين نائب قوي له، ويضغط المجتمع الدولي على الحوثيين بالقبول بنتائج حوار تحتضنه الرياض، ويكون الجميع أمام "اتفاق طائف" بنسخة يمنية.. لأن ذلك هو الأقل كلفة من الحروب والتشرذم، وعلى الخليج والأمم المتحدة رعاية ذلك الاتفاق على الأرض.