نشر موقع أغورافوكس الفرنسي تقريرا حول واقع
حرية التعبير في
فرنسا بعد الهجمات على مقر صحيفة
شارلي إيبدو في باريس في كانون الثاني/ يناير الماضي.
وكشف التقرير عن أن الطبقة الحاكمة تدعي الدفاع عن حرية التعبير، بينما مؤسسات الدولة تضيّق وتصدر الأحكام المسبقة وتفرض العقوبات الزجرية ضد كل من يعبر عن فكر مخالف وتتهمه بتبييض
الإرهاب. وبسبب ذلك يسود اليوم في فرنسا مناخ سلبي، وصفه التقرير بأنه "إرهاب فكري وفاشية تستهدف العقل وتستتر تحت شعارات حرية التعبير المقدسة" التي يرددها الرّئيس والحكومة والإعلام.
وقال التقرير إن الطبقة الحاكمة في فرنسا تقدم أفكارها وتصوراتها حول المسائل المتعلقة بالحرية على أنها أفكار وتصورات كل أفراد المجتمع، ولكنها عندما تتحدث عن حرية التعبير تعبر في الواقع عن حريتها هي وليس الحرية للجميع، كما أنها تدافع عن مصالحها وأهدافها وتحرم الآخرين من الحق في الدفاع عن مصالحهم.
ويشير التقرير إلى ما يعتبره دليلا على ما يذهب إليه، متحدثا عن التحامل الكبير ضد كل من يخرج عن الفكر السائد سواء كان مفكرا أو معارضا أو صحفيا أو فنانا فكاهيا أو ناشطا في المجتمع المدني. وتمارس وسائل الإعلام المسيطرة على المشهد الإعلامي الفرنسي تأثيرا كبيرا على الرأي العام، لأنها مجرد أداة دعاية في يد أصحاب الشركات الذين يستغلون حرية التعبير لتحقيق الربح المادي وخدمة أجنداتهم الإيديولوجية، ولهذا تبقى هذه الحرية امتيازا لا تحظى به غير شريحة معينة من المجتمع، وفق التقرير.
ويضيف التقرير أن كل فكرة تنسجم مع هذه الأجندات تعتبر "فكرة حرة"، وكل ما يخالف ذلك يتم التشكيك فيه وتجريمه. حتى الأطفال والمراهقون أصبحوا عرضة للقمع، وأصبحت أفكارهم وتساؤلاتهم محل استنكار، في تناقض واضح مع مبدأ حرية التعبير الذي أصبح حكرا على البرجوازية.
واعتبر التقرير أن السلطة ضاق صدرها بالأفكار المخالفة، ويظهر ذلك بشكل واضح في المدارس الفرنسية، حيث كثرت تساؤلات التلاميذ بعد حادثة شارلي إيبدو، وعبّر البعض عن رأي متوازن بقولهم "نعم أساند شارلي.. ولكن".
وعبّر التقرير عن تخوفات من أن يؤدي منع طرح الأسئلة إلى منع التفكير النقدي، وفسح المجال لسياسة التلقين والتعسف في المدارس الفرنسية. وأضاف أن الكثير من الأساتذة يعملون اليوم في ظروف صعبة بسبب الرقابة اللصيقة التي يمارسها الأهالي والإدارة والشرطة والمدعي العام، ولم يعد أي أستاذ في منأى عن تلفيق الاتهامات والمضايقات.
ويقول التقرير إنه يجب ألا يتساءل المواطنون عن حيثيات هجمات شارلي إيبدو والأسباب العميقة للإرهاب، ودور الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية في خلق التنظيمات المتطرفة التي تزرع الرعب في كل مكان، مضيفا: لقد أصبحت السلطة تفكر عوضا عنهم ومن كل أنواع الحرية لم يعد متاحا لهم غير حرية ترديد ما تمليه عليهم.
وأضاف التقرير أن التعتيم بات يشمل الأسئلة حول عيوب المجتمع الفرنسي التي تؤدي لظهور متطرفين غاضبين، لأن التساؤل والشك والبحث عن الحقيقة سوف يؤدي بالعامة لاكتشاف العلاقات الخفية والعميقة بين أصحاب المصالح في الغرب ورعاة الإرهاب في الشرق، فالإرهاب لا ينزل من السماء كالمطر بل ينتجه المجتمع من خلال فشله في الإضطلاع بمهامه، وفق ما جاء في تقرير أغورافوكس.
واتهم التقرير الطبقة الحاكمة بحرمان الناس من حقهم في التساؤل، وهو ما يشير إلى عدم إيمانهم بحرية التعبير عن الرأي. ويظهر ذلك من خلال تبنيهم بشكل مستمر لقوانين تعسفية لحماية حرية تعبيرهم هم والحفاظ على مصالحهم هم. وفي هذا السياق، عرض التقرير الفصل 421-2-5 من قانون العقوبات واعتماد كلمة "تبرير" في قانون 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، ما فتح الباب أمام تأويل الرأي المخالف على أنه تبرير للإرهاب.
واتهم التقرير هذا القانون بالخلط بين القيام بفعل والتعبير عن موقف، وبالتالي المساواة بين مرتكب الإرهاب والمعبر عن فكرة تتعلق بالإرهاب، وهو ما اعتبرته محكمة حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي تجريما للرأي واعتداءا على مبدأ حرية التعبير.
وأضاف التقرير أن هذه التضييقات القانونية تتزامن مع ممارسات سياسية وإيديولوجية تخدم مصلحة البورجوازية، من خلال فرض مناخ الخوف والترقب وتوجيه الأنظار نحو مكافحة الإرهاب، وخلق وحدة وطنية مزيفة تسهل عليهم تمرير السياسات التقشفية ليدفع الشعب فاتورة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بأوروبا، وفق تقدير الموقع.
وليتواصل هذا التلاعب بالمشاعر العامة، يجب أن تطول حالة الصدمة والغضب الناتج عن هجمات شارلي إيبدو لأطول فترة ممكنة. وينقل التقرير في هذا السياق تصريحات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي قال: "يجب أن تتواصل روح الاتحاد التي عمت فرنسا على إثر هجمات شارلي لأطول فترة ممكنة".
وخلص التقرير إلى أن حرية التعبير أصبحت سلاحا إيديولوجيا رهيبا في يد البورجوازية الحاكمة يمكنها من محاربة كل من يهدد مصالحها، من خلال تهميش وتقزيم خصومها وإسكاتهم، وبالنهاية أصبحت حرية التعبير في حد ذاتها مظهرا من مظاهر الصراع الطبقي الذي يدور في هذا المجتمع الرأسمالي، كما جاء في التقرير.
(عن موقع أغورافوكس الفرنسي)
رابط التقرير الأصلي
https://www.agoravox.fr/tribune-libre/article/charlie-hebdo-et-la-liberte-164596