عبّر سياسيون وبرلمانيون عراقيون عن دعمهم لفكرة طرحتها تجمعات شبابية تطالب بتحويل محافظات
العراق إلى أقاليم، على غرار إقليم كردستان، وذلك في مواجهة المطالبات بإقامة أقاليم على أسس طائفية أو عرقية.
وكانت المطالبات تشكيل إقليم على غرار إقليم كردستان العراق قد انطلقت ابتداء من عام 2005، عندما نادى بها الزعيم الشيعي عبد العزيز الحكيم، الذي سعى إلى تشكيل إقليم يضم المناطق الشيعية في الوسط والجنوب، مما واجه رفضاً كبيراً من القوى السنية في وقتها، لكن الحكيم لم يتراجع عن هذه الفكرة حتى مماته. ثم طفت المطالبات بالأقاليم على السطح مرة أخرى عام 2011، وهذه المرة من القوى السياسية السنية، بسبب التهميش والإقصاء والاعتقالات العشوائية إبان فترة ولاية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ولا تزال تلك المطالب قائمة، لكن ليس بالقوة التي ظهرت بها أول مرة.
وبعد الأحداث التي جرت على العراق منذ العاشر من حزيران/ يونيو 2014، خلال سيطرة عناصر تنظيم الدولة على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، بدأت أصوات تطالب بإقامة أقاليم، لكن هذه المرة ليس من قوى سياسية أو دينية، وإنما من فئات شبابية متنوعة الطوائف ليسلكوا طريقاً جديداً في التعامل مع هذه القضية.
ويقول صلاح إياد، رئيس منظمة "بلاد النهرين الشبابية"، لـ"عربي21"، إن أعضاء المنظمة الذين يتجاوز عددهم 845 عضواً "أصبح لديهم قناعة بأن لا حل لاستقرار العراق سوى إقامة
الأقاليم، لكن ليس على نظرية القوى السياسية والدينية الموجودة في الداخل، التي تهدف إلى تقسيم العراق وإضعافه وجعله تابعاً لدول الجوار، وإنما من خلال النظرية المدنية التي نمتلكها نحن ومنظمات شبابية أخرى، وتركز على تشكيل إقليم لكل محافظة، تكون مسؤوليته الإدارية والمالية بشكل كامل بيد مجلس المحافظة، ولا سلطة عليه من حكومة المركز".
ويلفت إياد إلى أن هذه الفكرة جاءت بعد أن تبين أن كل من نادى بالأقاليم، منذ تغيير سقوط نظام صدام حسين عام 2003 حتى الآن لم يطمح لاستقرار العراق والتنعم بخيراته، وإنما لجعله مرتبطاً بأجنده تخدم حزبه وطائفته، بدليل ما نشهده اليوم من تفرقة بين أطياف الشعب العراق وتلون أفكاره ومطالبه، حسب قوله.
أما خالد شوكت، أحد أعضاء منظمة "عراقيون بلا حدود"، فيوضح لـ"عربي21"، أن مواقع التواصل الاجتماعي في الشبكة العنكبوتية، فضلاً عن الفعاليات الأدبية والشعرية الشبابية التي تقيمها بعض المنظمات، "كانت وجهتنا لنشر فكرة الإقليم المدني"، مبيّناً أنه منذ اللحظة الأولى التي بدأنا فيها في شهر تشرين الاول/ أكتوبر 2014 واجهنا انتقادات سياسية ودينية كبيرة، من مختلف المحافظات العراقية، لكن هذا لم يمنعنا واستمرينا بنشر الفكرة.
ويضيف شوكت أن اليوم هناك سبع منظمات مجتمع مدني تناصر هذه الفكرة، لإيمانها بأهدافها، لكن هذا لا يعني أن العراق سيكون مقسماً إلى دويلات صغيرة، بسبب أن الإقليم سيكون إدارياً فقط، أي إن إدارته تكون موكلة بشكل كلي إلى مجالس المحافظات.
وبالنسبة لميساء عبد الخالق فتشير، في حديث لـ"عربي21"، إلى أن فوائد إقامة الإقليم المدني ستكون كبيرة، لا سيما في المجالين السياسي والاقتصادي. وتلفت إلى الصراعات السياسية التي تفتك بكل حكومة يتم تشكيلها، بعد أن تتأخر لشهور، وإن شُكلت فإنها غير متفق عليها بشكل كلي، فضلاً عن حصر القرارات بيد فئة معينة لدى الحكومة، وهذا ما لا تقبله القوى والطوائف الأخرى فتنعكس بشكل أو بآخر على محافظات العراق، فتربك سياسييها وتعطل عملهم.
وبالنسبة للمجال الاقتصادي، فتلفت عبد الخالق إلى أن الكثير من المحافظات لديها الكثير من الثروات الطبيعية والإنتاج والتجارة، لكنها لا تتنعم بها بسبب تحويل كل وارداتها إلى خزينة الدولة المركزية، التي تتصرف بها بشكل مسرف وعشوائي، بل إنها تذهب إلى جيوب الأحزاب، تاركة تلك المحافظات دون رعاية. لكن بوجود الإقليم ستنحصر خيراته بيد المحافظة، ويتبيّن مصادر الصرف والواردات. وتقترح عبد الخالق أن تكون هنالك ضريبة على المحافظات الأكثر إنتاجاً تعين بها المحافظات التي لا تحتوي على حقول نفطية أو منافذ حدودية أو تجارة داخلية، وبذلك يكون هنالك توازن بين كل المحافظات دون تفرقة.
ويبدو أن إقامة "الإقليم المدني" وجد من يناصره من القوى السياسية، فيقول عضو مجلس النواب عن التحالف الكردستاني مؤيد الطيب لـ"عربي21"، إن الإقليم هو خير علاج للجانب الأمني والاقتصادي والاستثماري، كما أن نظام الأقاليم لا يعني تقسيم العراق، بل يؤدي إلى وحدة العراق باعتبار أن السلطات الاتحادية الحصرية تبقى في بغداد، والحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم تؤدي دوراً مهماً في إدارة الأقاليم، ورأى الطيب أن المطالبة في إقامة إقليم مدني هي مطلب دستوري وعلى الحكومة الاهتمام بها.
ويرى سياسيون من
السنة أنه في تحقيق هذه المطالب، ربما سيكون الحل لاستقرار العراق في وقت يواجه حرباً مصيرية للبقاء.
ويقول ظافر العاني، رئيس كتلة اتحاد القوى الوطنية في مجلس النواب لـ"عربي21"، إن الكثير من المحافظات، لا سيما السنية، لم تُنصَف حتى الآن لا سياسياً ولا اقتصادياً، والأسباب كثيرة. وأرجع العاني ذلك إلى عدم جدية المدافعين عن هذه الحقوق بالمطالبة الحقيقية والإصرار عليها، فضلاً عن ابتعاد البعض عن القضية والاهتمام بالأمور الشخصية له ولحزبه، بعد الحصول على تطمينات ببقائهم في السلطة. لكن في ضوء فكرة هؤلاء الشباب، ربما سيكون هنالك حل جذري لكل عمليات الإقصاء والتهميش والاستهداف والاعتقالات العشوائية، التي مارستها الحكومات السابقة ضد أبناء السنة، لكن يبقى تحقيق ما يصبو إليه هؤلاء رهناً بمدى اقتناع القوى السياسية الأخرى، وهل أن ذلك سيصب في مصالحهم أم لا، وفق تقدير العاني.
أما النائبة عالية نصيف، وهي من حزب رئيس الوزارء السابق نوري المالكي، فتتهم دولاً، لم تسمها، بالعمل على تمزيق العراق من خلال إقامة الأقاليم، ورأت أن ما يذهب إليه هؤلاء الشباب لا يعدو كونه مخططاً تقوم به بعض الدول من أجل تقسيم العراق، "إذ إن هناك دوائر عالمية وصلت إلى قناعة تامة بأنه إذا أراد العراقيون أن يعيشوا بأمان، فعليهم اعتماد نظام يشبه
الفيدرالية الأمريكية، وهي مقدمة للتقسيم، ومن يدعم أو يصادق على هذا المشروع فليس له وصف غير الخيانة"، حسب تعبيرها.
ويرى المحلل السياسي إحسان الشمري أن جدية المنظمات الشبابية المطالبة بإقامة إقليم مدني في العراق هذه المرة، ربما سترغم الحكومة المركزية على توسيع صلاحيات الحكومات المحلية لمواجهة المطالب، الا أنه في الوقت ذاته ربما تكون هذه الخطوة تشجيعاً لمحافظات أخرى للمطالبة بتوسيع الصلاحيات أو إعلان الإقليم، ففي كلتا الحالتين ستعزز من صلاحيات المحافظات العراقية، لا سيما في الجانبين الأمني والاقتصادي، اللذين لطالما كانا حجر عثرة أمام أي اتفاق يبرم بين القوى السياسية في المحافظات وحكومة المركز.